مقالات

الحل من طرف واحد

 
د. أحمد مصطفى أحمد:
 
استضاف الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومنافسه السياسي بيني جانتس ليناقش معهما خطته الموعودة للسلام في الشرق الأوسط التي يطلق عليها وصف “صفقة القرن” قبل الإعلان عنها. وعلى مدى ثلاث سنوات تولى صهر ترامب ومستشاره جاريد كوشنر العمل على الخطة مستعينا في مراحل عدة بمستشارين من إسرائيل لينصحوا فريقه الذي يعمل عليها في ظل غياب تام للطرف الفلسطيني والعربي. وأجلت الإدارة الأميركية إعلان الخطة أكثر من مرة على مدى عام حتى تحل إسرائيل أزمتها السياسية الداخلية المتمثلة في تمسك نتنياهو بالسلطة لتفادي سجنه في قضايا فساد لن يحكم عليه فيها طالما هو رئيس للحكومة.
يريد الرئيس ترامب إقناع ناخبيه الأميركيين وهو يستعد لانتخابات رئاسية لمدة ثانية في البيت الأبيض بأنه الوحيد القادر على حل مشكلة فشلت كل الإدارات السابقة والعالم كله في حلها على مدى قرن من الزمان. ويريد أيضا دعم نتنياهو في الانتخابات المبكرة الثالثة بعد فشل جولتين سابقتين في حصوله على أصوات تمكنه من الاستمرار في الحكم، لكنه حرصا على “مشاعر” الداخل الإسرائيلي استضاف زعيم المعارضة أيضا كي لا يتهم بالانحياز في الشأن الإسرائيلي. إنما على مدى الأعوام الثلاثة التي قضاها ترامب في الحكم دعم إسرائيل في ضمها لمرتفعات الجولان السورية المحتلة، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب للقدس ليعزز ضم إسرائيل للمدينة الفلسطينية المحتلة، وعاقب الفلسطينيين في المخيمات بوقف المعونات والمنح للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال.
كانت الإدارات الأميركية السابقة تسعى للتوصل إلى حل للصراع في فلسطين المحتلة برعاية التفاوض بين الإسرائيليين والفلسطينيين بمشاركة أطراف عربية تمثل ضمانة للفلسطينيين. حتى وإن كانت المبادرات الأميركية في أغلبها منحازة لإسرائيل، وتحاول الالتفاف على القرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة التي تضمن بعض حقوق الفلسطينيين، لكن كل تلك المحاولات كانت تتضمن طرفي الصراع، ويعمل الأميركيون كطرف ثالث. لم يكن الطرف الثالث وسيطا نزيها دوما، فهو بالمطلق منحاز لإسرائيل على حساب الطرف الفلسطيني والعربي ومصالحه، لكنها السياسة التي تعني فن الممكن والحلول الوسط على قدر أوراق القوة لدى كل طرف. إنما الرئيس ترامب، الذي جاء إلى الحكم من خارج السياسة والإدارة، غير معني بكل تلك السوابق ولا بالمعايير والأصول فهو رجل يريد “الإنجاز” بأي شكل، ويدرك أنه أقوى رجل في العالم بسبب منصبه في قيادة القوة العظمى الوحيدة فيه.
أنهى ترامب إذًا مسألة أن الصراع يحل بمشاركة طرفين، أو أطراف متعددة يلعب فيها طرف رئيسي دور الوسيط أو حتى من يفرض الحلول للتفاوض عليها. وابتكر الرجل ما لا يمكن تسميته إلا أنه “حل من طرف واحد” هو الطرف الإسرائيلي وتقوم الإدارة الأميركية بفرض الحل الذي يناسبه على بقية الأطراف والعالم أجمع. بالطبع كانت الإدارات الأميركية السابقة في محاولتها لحل الصراع في فلسطين المحتلة تسمع للإسرائيليين أكثر ما تسمع للطرف العربي، لكنها في الأخير كانت تحاول المحافظة على قدر من “الوسطية” في وضع خططها واقتراح المبادرات. ففي النهاية الإسرائيليون، مهما كانوا مدعومين من واشنطن، هم طرف في الصراع، وبالتالي كان يتعين عدم تبني كل ما يرونه بالمطلق. إنما الرئيس ترامب وإدارته فلا ترى في الأزمة صراعا ولا أطرافا أخرى ـ هي فقط إسرائيل لديها مشكلة مع الفلسطينيين والعرب وعلى واشنطن أن تحلها لهم.
وحتى قبل أن تعلن الإدارة الأميركية تفاصيل خطتها سربت أنها جاهزة لاستخدام السلاح الأمثل لمعاقبة الفلسطينيين، وربما بعض العرب أيضا، إذا رفضوا الخطة. ذلك هو سلاح العقوبات والحصار الاقتصادي الخانق حتى يقبلوا بذلك الحل من طرف واحد: الطرف الإسرائيلي. ومن المثير للسخرية أن الإسرائيليين هم من يحاولون تسويغ ذلك بإبداء بعض التردد العلني وربما رفض بعض البنود وكأن الخطة تبخسهم حقا كي لا ترى الأطراف الأخرى أنها خطة إسرائيلية خالصة، بينما كل ما تفعله الإدارة الأميركية هو الضغط على الأطراف الأخرى للموافقة والقبول وحسب. والواقع أن كل هذا ليس مستغربا من الرئيس دونالد ترامب وفريق حكمه، فهكذا يتعاملون مع كل قضايا العالم وحتى القضايا الداخلية الأميركية. إنما المستغرب حقا هو الموقف العربي، وحتى بعض الفلسطينيين من صفقة ترامب للحل من طرف واحد.
يروج هؤلاء، ومنذ فترة في الواقع، أن العرب والفلسطينيين “ضيّعوا” كل فرص السلام والتسوية التي كان يمكن أن تعطيهم أفضل مما هو متاح الآن، وأن الطرف العربي في وضع لا يسمح له بأوراق تفاوض تمكنه من الحصول على بعض الحقوق للفلسطينيين. بل إن بعض العرب “سئموا” موضوع فلسطين المحتلة برمته وتغيرت أولوياتهم ولم يعد أمام الفلسطينيين إلا أن يقبلوا بما يعرض عليهم قبل ألا يصبح هناك شيء يمكنهم الحصول عليه. وفي النهاية ستضم إسرائيل القدر الأكبر من الضفة الغربية المحتلة الذي أغرقته بالمستوطنين العنصريين وستضم غور الأردن ولن يتبقى للفلسطينيين سوى قطاع غزة (الذي لا يريده أحد) وجيب صغير في الضفة الشرقية لنهر الأردن. وما هذا إلا جلد للذات ولوم للضحية لا يمكن أبدا أن يوصف بأنه “براجماتية سياسية” أو أنه “القبول بالممكن للمضي قدما”، فبهذا الحل من طرف من واحد لن يكون هناك “قدم” نمضي إليه!!

admin