مقالات

العراق: حزب الدعوة الإسلامية بين المالكي والعبادي

 
جاسم الشمري
رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مع نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي
مع اقتراب الانتخابات البرلمانية في العراق تبرز مجددًا إشكالية منْ سيكون الرئيس القادم لوزراء العراق التي لم يتخل عنها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي إلا بعد ضغوط دولية وإقليمية، وإلا فإنه أصرّ على البقاء رغم مخالفة ذلك للدستور العراقي.
 
المالكي باعتباره مسؤول حزب الدعوة وصاحب الكتلة الأكبر في داخل البرلمان الحاليّ، وبعد أن وجد نفسه مضطرًا لترك منصب رئاسة الوزراء وقع اختياره على شخصية يمكن أن تكون ضمن محوره، وهو رئيس الوزراء الحاليّ حيدر العبادي، وكانت الغاية أن تنهي مرحلة السنوات الأربعة لكسر القانون للعودة مجددًا إلى رئاسة الوزراء، ولهذا كان حريصًا على اختيار شخصية غير بارزة، ووقع الاختيار على العبادي.
 
مرحلة السنوات الأربعة الماضية – ربما – لم تكن ضمن ترتيبات المالكي، وحقق العبادي الكثير من المكاسب على المستوى الشخصي، وقد وجد دعمًا كبيرًا من العديد من القوى الإقليمية والدولية، وقد سعى لتجميل صورة الحكومة داخليًا وخارجيًا، في خطوات ربما فُهم منها أنها ضد سياسات المالكي الطائفية الضيقة، وأراد أن يظهر من خلالها بصورة أقل طائفية وانحيازية للمذهب.
 
اليوم يعود مجددًا التئام التحالف الوطني الشيعي في خطوة ربما كانت في تصور الكثير من المتابعين للشأن العراقي أنها أصبحت من الماضي
 
وهنا لا نريد أن نخوض في مرحلة المالكي المريرة وسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على أكثر من نصف العراق في مرحلته، إلا أننا سنركز على الانتخابات ومن الشخصية المتوقع فوزها في الانتخابات القادمة.
 
عند قراءة الساحة أو الخريطة الانتخابية، يمكن أن نسجل العديد من نقاط التقدم للعبادي على المالكي، إلا أن لغة الأرقام والتحالفات يمكن أن تحدثنا بأسلوب آخر وحقائق أخرى. اليوم يعود مجددًا التئام التحالف الوطني الشيعي في خطوة ربما كانت في تصور الكثير من المتابعين للشأن العراقي أصبحت من الماضي، وهذا يؤكد أن هناك قوى خارجية إقليمية تُدير لعبة الانتخابات الشيعية في العراق بدليل عودتهم للتحالف الشيعي على الرغم من كل الخلافات الظاهرة بين غالبية أعضائه.
 
في السابع من الشهر الحاليّ أصدر التحالف الوطني بيانًا أكد فيه أن الهيئة القيادية للتحالف الوطني اجتمعت بمكتب الأمين العام لحزب الدعوة الإسلامية ورئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، وأن الاجتماع تناول بشكل مفصل الأوضاع السياسية والأمنية، بالإضافة إلى مسألة الإعداد للانتخابات، وتم التأكيد على ضرورة الالتزام بالدستور وإجراء الانتخابات في موعدها المقرر.
 
وحضر الاجتماع، كل من هادي العامري عن منظمة بدر وحسين الشهرستاني عن كتلة مستقلون وخالد الأسدي عن حزب الدعوة تنظيم العراق وعبد الحسين الموسوي وحسن الشمري عن حزب الفضيلة ومحمد تقي المولى عن المجلس الأعلى الإسلامي.
 
حقيقة الخلاف بين المالكي والحكيم تعود إلى تمسك الحكيم برئاسة التحالف الوطني مع عدم حسم الأطراف الشيعية المرشح البديل، رغم انتهاء الولاية الدورية السنوية للحكيم في رئاسة التحالف الوطني الشيعي في سبتمبر/أيلول الماضي
 
ومقابل هذا الحضور الكبير لوحظ أن اجتماع التحالف الوطني الذي عقد في مكتب نوري المالكي لم تحضره شخصيتان مهمتان هما رئيس الوزراء حيدر العبادي ورئيس التحالف الوطني عمار الحكيم، ولا أدري هل هذه إشارة إلى وجود تكتل جديد بزعامة العبادي ربما يضم الحكيم، أم أن الأمر تم بترتيب مسبق ومفاجئ الجميع ببقاء التحالف الشيعي على تماسك في المشهد السياسي العراقي، ويراد منه إيصال رسائل سياسية لأطراف محددة في العملية السياسية، وربما حتى في داخل التحالف الشيعي؟!
 
بعض المتابعين للشأن العراقي أكدوا أن رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي سحب البساط من تحت منافسيه في التحالف الوطني للمرة الثانية، الأسبوع الماضي، بترؤسه اجتماعًا لأغلب قوى الكتلة الشيعية.
 
حقيقة الخلاف بين المالكي والحكيم تعود إلى تمسك الحكيم برئاسة التحالف الوطني مع عدم حسم الأطراف الشيعية المرشح البديل، رغم انتهاء الولاية الدورية السنوية للحكيم في رئاسة التحالف الوطني الشيعي في سبتمبر/أيلول الماضي.
 
النائب حسن الشمري الذي حضر اجتماع الهيئة القيادية للتحالف الوطني، أكد أن عمار الحكيم لم يعد رئيسًا للتحالف الوطني بعد انتهاء ولايته الدورية، لكنه أكد أيضًا أن رئاسة التحالف لم تحسم إلى غاية الآن بين الأطراف الشيعية.
 
وبشأن تغيب رئيس الوزراء حيدر العبادي عن الاجتماع، قال الشمري: “لم يتم تأكيد حضور العبادي للاجتماع”، ونفى وصول دعوة من المالكي إلى العبادي للمشاركة في الاجتماع عازيًا ذلك إلى انشغال رئيس مجلس الوزراء مما حال دون تأكيد حضوره للاجتماع.
 
حينما نعود لنتائج الانتخابات الماضية نجد أن ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي حصد 92 صوتًا، بينما فاز ائتلاف المواطن بزعامة عمار الحكيم – قبل انشقاق المجلس الإسلامي الأعلى إلى فريقين – بـ29 صوتًا، ولو فرضنا أن جماعة المجلس الأعلى المنشقين عن ائتلاف المواطن سيحصلون على نصف الأصوات فهذا يعني أن أكثر من 24 صوتًا ستضاف إلى تكتل المالكي، وهذه الحسبة لم تشمل أصوات حزب الدعوة تنظيم العراق.
 
وعليه فهذا يعني أن تكتل المالكي لديه قرابة 120 صوتًا على أقل تقدير، وهذه يمكن أن تجعله قريبًا من تشكيل الحكومة القادمة إن ضمن أصوات القوى الكردية التي دخلت في صراعات مع العبادي، وتريد الحصول على ما خسرته في المرحلة الماضية، وعليه أرى أن المالكي مرشح بقوة للعودة كرئيس وزراء للعراق في المرحلة القادمة.
 
وسبق لزعيم حزب الدعوة نوري المالكي أن أعلن ترشحه للانتخابات النيابية المقبلة ضمن ائتلاف “دولة القانون”، وبحسب المتحدث باسم المالكي، عباس الموسوي فإن “الخروج بلائحتين لا يعني أنها مواجهة بين شخصين، بل مواجهة بين مشروعين ورؤيتين وتحالفات مختلفة، وحزب الدعوة تبنى القائمتين، ولم يمارس علينا أي ضغط إقليمي، لا إيراني ولا أمريكي”!
 
نلاحظ هنا أن أكبر شخصيات هذا التحالف هم العبادي وهادي العامري والحكيم، ولا أظن أنهم يمتلكون القدرة الكافية لاكتساح المالكي من المشهد لتحالفه مع أكثر من 30 حزبًا وكيانًا سياسيًا، هذا في حال نظرنا إلى الموضوع من باب احتمالية وجود خلاف بين العبادي والمالكي داخل حزب الدعوة
 
وفي الـ14 من الشهر الحاليّ أعلن العبادي تشكيل ائتلاف النصر العابر للطائفية والتفرقة والتمييز، وهذا التحالف ضم غالبية زعماء الحشد الشعبي الذين ربما أرادوا استثمار “النصر” على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في الانتخابات القادمة، وتحالفه يضم منظمة بدر برئاسة هادي العامري والمجلس الأعلى برئاسة همام حمودي إضافة إلى شخصيات أخرى.
 
وبعد ساعات من إعلان تحالف العبادي أعلن تيار الحكمة برئاسة عمار الحكيم، انضمامه لائتلاف العبادي، “نصر العراق” لخوض الانتخابات المقبلة.
 
ونلاحظ هنا أن أكبر شخصيات هذا التحالف هم العبادي وهادي العامري والحكيم، ولا أظن أنهم يمتلكون القدرة الكافية لاكتساح المالكي من المشهد لتحالفه مع أكثر من 30 حزبًا وكيانًا سياسيًا، هذا في حال نظرنا إلى الموضوع من باب احتمالية وجود خلاف بين العبادي والمالكي داخل حزب الدعوة أو التحالف الوطني الشيعي.
 
عمومًا القضية هي إما اتفاق داخل أروقة حزب الدعوة لترتيب أكثر من تكتل انتخابي والحصول على أكبر عدد ممكن من المقاعد البرلمانية، أو ربما هي بداية انشقاق في الحزب، وأنا أميل إلى الفرضية الأولى، وبالمحصلة سيكون حزب الدعوة هو الكاسب الأكبر، وفي كلا الاحتمالين ستعود إليه رئاسة الوزراء سواء كانت للمالكي أم للعبادي، إلا أن حظوظ المالكي أكبر بكثير، وهذا ما نترقبه في الأشهر القليلة القادمة.

admin