د. عبد الحي زلوم
سنبدأ بالأسئلة عن عالمنا العربي المجنون وفي السؤال الصحيح عادة نصف الجواب ونترك النصف الآخر للقارئ ليجيب عليه وسأنهي المقال بالارقام ولعلّ الأرقام تساعد في ازاحة الغبار عن الدماغ في عصر غسيل الدماغ الذي اصبح علماً من علوم العص .
كان اول تساءل: هل يعقل أن تكون ميزانية التسلح في دولة عدد مواطنيها لا يزيد عن 15 مليون أن تكون اكبر من ميزانية دفاع دولة نووية عظمى كروسيا مثلاً؟
وهل يعقل أن تكون ميزانية الدفاع في بلدٍ يكاد يصل عدد مواطنيه الى مليون نسمة اكثر من ميزانية دولة كتركيا التي تمتلك أكبر جيش في حلف الناتو؟ هل كانت هذه المشتريات لمصلحة شعوب تلك البلدان أم لمصلحة تجار الاسلحة في تلك البلدان وصناعة السلاح في الولايات المتحدة اساساً لاعادة تدوير البترودولارات؟
وهل أن هذا التسلح هو لتدوير البترودولارات الى اقتصادات الولايات المتحدة والغرب ولمصلحة تجار الاسلحة وهل هو لمصلحة الشعوب؟
في مهرجانات توقيع عقود لعشرات مليارات الدولارات وكأننا في سوق عكاظ ما هي الآلية والتنافسية في اختيار الشركات؟
كيف يمكن أن يصبح الاصدقاء اعداءً والاعداء اصدقاءاً بل وحلفاءاً بين عشية وضحاها؟
كيف يمكن لدولة ان تحالف دولة اعتدت عليها وارتكبت مجازر بحق شعبها وجيشها أن تصبح أفضل حلفائها الاستراتيجين امنياً وسياسياً؟
كيف يمكن أن تكون إيران الشيعية في عصر الشاه محجاً لدول الخليج خاصةً والعربية عامةً لِتَلَقي (التوجيهات) نيابةً عن الامبراطورية الامريكية لتصبح بلد المجوس بعد ثورتها الاسلامية ولتصبح بوصلة الانظمة المتحالفة مع الامبراطورية متجهةً في عدائها بدلاً من الكيان الصهيوني؟
كيف قرر ياسر عرفات أن يكون محمود عباس نائباً له وكيف قرر الدخول في مفاوضات سرية في اوسلو بقيادة استاذ مدرسة ومساعدة موظف بنك وبدون استشارة أحد بينما كانت تجري مفاوضات جادة وعلانية في مدريد يترأسها مشهودٌ لهم بالكفاءة والوطنية؟
لماذا كان أولُ عملٍ يقوم به عرفات ارسال دحلان الى تل آبيب لانشاء امنه الوقائي بالتشاور مع الموساد والمخابرات المركزية الامريكية ؟ وكيف حول هو ومن بعده الشرفاء من المقاومين الذين وضعوا ارواحهم في أكفتهم لمقاومة الاحتلال ليصبحوا مقاولين للحفاظ عليه؟
من استشار صدام حسين عندما قرر حرب الثماني سنوات ضد ايران والتي نتج عنها مقتل وجرح اكثر من مليون عراقي واستنزاف موارده المالية من فائض لحوالي 40 مليار دولار عند بداية الحرب الى مديونية تعادل مئة مليار عند انتهائها؟ وهل كان قرار احتلال الكويت قراراً صائباً؟ ومن تم استشارته آنذاك؟
هل نعلم انه بالاضافة الى 400 مليار دولار السعودية هناك ما يسمى بمشروع الرئيس ترامب ((اعادة اعمار العراق مقابل النفط)) بكلفة 400 مليار دولار على الاقل؟ اي بإعادة بناء ما دمرته الولايات المتحدة في حروبها ضد العراق؟
كيف يمكن لميليشيا حزب لم يزد عددها عن 5 الاف أن تصمد بل وتربح حرباً مع الكيان الصهيوني لاكثر من 33 يوماً بينما لم تصمد جيوش 3 دول عربية اكثر من 6 ساعات؟ وكيف أمكن لحزب أن ينشأ توازن ردع لم تستطع كافة جيوش العرب أن تنشأه بالرغم من عشرات ومئات مليارات اسلحتها؟
والآن جاء وقت الارقام
رأينا في بلدين نفطيين أن الخطط هي لاستثمار 400 مليار دولار لكل منهما. و لكي ابين ضخامة هذا المبلغ فحسبتُ أنه لو اردنا ان نعِدّ هذا المبلغ بمعدل دولار لكل ثانية لإحتجنا الى 12726 سنة!
تنتج دول مجلس التعاون الخليجي حوالي 19 مليون برميل يومياً وبسعر 65 دولار للبرميل.هذا يعني حوالي 454 مليار دولار في السنة. أو حوالي 700 مليار دولار على سعر 100 دولار للبرميل. ولو أخذنا معدل الرقمين لاصبح الدخل 575 مليار دولار بالسنة تقريباً. يضاف الى ذلك مبيعات الغاز السائل والبتروكيماويات المشتقة من الغاز بما لا يقل عن 125 مليار في السنة ليصبح الدخل من البترول (سائل + غاز + مشتقات)= حوالي 700 مليار دولار في السنة . ونحن نتكلم فقط عن دول التعاون الخليجي ناهيك عن دول آخرى كالعراق الذي يمتلك ثالث اكبر احتياط في العالم وببركات الفساد وبرعاية الولايات المتحدة اصبح يطرق ابواب صندوق النقد الدولي للاستدانة مع أنه ينتج اليوم مرتين اكثر مما كان ينتجه قبل الاحتلال الامريكي وكان لديه فائص مالي قبل جره الى الحروب الاستنزافية المعلومة.
ماذا لو قلنا أنه حسب الاقتصاد الاسلامي يتوجب دفع زكاة الركاز وهي ما يسميها علماء الفقه اليوم بالزكاة المُغيّبة.
في أجابة على سؤال (هل في النفط زكاة ؟) الى موقع اسلام اون لاين كانت الاجابة كالاتي :” مما لا خلاف فيه أن الزكاة تجب في النفط أو في عائداته إذا كان مملوكًا ملكية خاصة، سواءً كان ملكًا لأفراد أم لشركات” في المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي سنة (1976م) الذي انعقد في مكة المكرمة بدعوة من جامعة الملك عبد العزيز – كان هناك وجهتان للنظر في موضوع الركاز والنفط أحدهما بينه الدكتور شوقي إسماعيل شحاته، والدكتور محمد شوقي الفنجري الاستاذان في الإقتصاد الاسلامي، والذي بينا وجوب الزكاة في أموال النفط “البترول” مما تملكه الحكومات الإسلامية، في بلاد الخليج وغيرها. وهو بمقدار الخمس،أي 20% بناءً على أنه ركاز. طبعاً لم يكن ذلك محبباً لدى ( وعاظ السلاطيين).
هذا يعني انه يتوجب على تلك الدول أن تدفع 140 مليار دولار في السنة . خلال سنتين سيتم دفع كافة الديون على حكومات العالم العربي ولربما الاسلامي ولن يكون هناك فقير واحد في هذه البلدان.
هل لهذا قال كيسنجر في اجتماع له في لندن أن خطر الاسلام على النظام الغربي أكبر بكثير من مما يعرفه الناس؟ هل هذا هو الخطر لانه يعطل النظام المالي العالمي الامتصاصي . ومما يزيد الطين بلة أن جميع الاديان وخصوصاً الدين الاسلامي يحرم الفائدة على الاموال وهكذا لا سندات خزانة ولا ودائع في البنوك وكفى الله المؤمنين القتال.
عندما كان ترامب يطالب بالجزية على دول النفط العربية مقابل حمايتها كان من الواجب أن يقال له : نحن دول النفط هم حماة نظامكم المالي العالمي بل وإقتصادكم ونقول ذلك دون مبالغة . ولكن دعنا نفسر له ذلك؟
ليحل الدولار كعملة الاحتياط العالمي ( وذلك من ضروريات اي امبراطورية عصر )في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية تم اعتماد نظام سعر الصرف الثابت للعملات وتعهدت الولايات المتحدة أن تدفع اونصة ذهب لكل من يأتي لها بخمسة وثلاثين دولاراً. وكان من المفروض ان تطبع من الدولارات فقط بمقدار احتياطيها من الذهب . بعد مخالفتها وطباعة دولارات اضعاف مخزونها من الذهب اعلنت الولايات المتحدة في 15/8/1971 بعدم التزامها بتبديل الدولارات بذهب حسب اتفاقية بريتن وودز . عندها انتفى اي سبب للدول لشراء الدولار أو التعامل ب .
بواسطة المنتجين الكبار للنفط في العالم العربي وبقيادة شاه ايران آنذاك تم فرض الدولار كالعملة الوحيدة لدفع ثمن النفط مما اجبر الدول على شراءه لدفع اثمان استيراداتهم من النفط ومما سمح لمطابع الدولار ان تستمر في تحويل ورق بكلفة بضع سنتات لورقة المئة دولار وذلك ثمن الورق والطباعة ولكن على العالم التعامل بها وبقيمة مئة دولار من البضائع والخدمات وهذه اكبر عملية نهب في التاريخ .
هذا يعني انه وبسعر 65 دولار للبرميل هذه الايام يتم طباعة 1,235,000,000 دولار في اليوم .
لو كان عندي 350 دولار فكان على الولايات المتحدة أن تعطيني 10 اونصات من الذهب حسب اتفاقية بريتن وودز . عندما اصبح سعر الاونصة 350 دولار بعد الالغاء اصبحت مدخراتي تساوي اونصة ذهب واحدة بدل العشرة فمن الذي سرق 9 اونصات او 90% من مدخراتي؟
المشكلة أن دول النفط تبادل ثروتها الطبيعية بأوراق تتآكل قيمتها سنة بعد سنة .
المشكلة أن هذه النقود لا تصل الى دول النفط في معظمها وإنما تنتقل من حساب الى حساب داخل الولايات المتحدة الامريكية اساساً ويذهب اكثرها الى سداد ديون الولايات المتحدة بسندات خزينة امريكية طويلة الاجل ومعظم الباقي لشراء اسلحة أو مواد استهلاكية لا تسمن ولا تغني من جوع في قطاع الانتاج . وجزء يسير كنسبة مئوية كعمولات لتجار الاسلحة ولافراد قلائل في كل دولة من القائمين على حراسة هذا النظام العجيب .
لا نبالغ حينما نقول اننا نمول اقتصاد الكيان الصهيوني وجيشه عن طريق الولايات المتحدة .
قال الرئيس أندرو جاكسون انه لو عرف الناس مقدار ظلم نظامنا المالي لثاروا عليه قبل صباح اليوم الثاني .