أما آن الأوان لقانون “من أين لك هذا؟”

1

كتب / صباح علي الشاهر…

من يقول محاربة الفساد قضية بالغة التعقيد هو من لا يريد التعرض للفساد، ومن يقول الفساد هو إعتقال بعض الفاسدين وتقديمهم للمحاكمة، لا يفهم حقيقة الفساد، الفساد ليس بذاك التعقيد ولا هذا التبسيط، الفساد له من أوجده، وأوجد ظروفه، وحاك بدهاء مسبباته، ورعاه حتى إستقام كيانأً خرافياً، شاملاً كل مناحي الحياة، ومن دون وضع اليد على هذا السبب والمُسبب يصبح كل كلام عن محاربة الفساد مجرد لغو لا طائل وراءه، لأنه سيعالج في حالة النجاح بعض العوارض الجانبية من دون معالجة العلة.

سيجعل البعض مكافحة الفساد شعاراً إنتخابياً، أو وسيلة لإسقاط الخصوم والمنافسين.. سيتاجر كثيرون بهذا الشعار، لكنهم سيستهدفون فاسداً أو مجموعة فاسدين، هم على الأكثر منافسين أو مخالفين، وسيتركون فاسدين آخرين مؤيدين ومناصرين، أو غير منافسين حالياً، ربما إلى حين، بإنتظار ما يستجد من أحوال.

لا تهتموا كثيرا بمن سيحارب الفساد، ولكن إهتموا بكيفية محاربة الفساد، بالقوانين والإجراءات قبل الأشخاص .. ما تحتاجة محاربة الفساد رجال أداريون يتصفون بالنزاهة والحرص على تطبيق وإنفاذ القانون، هل يوجد مثل هؤلاء الأشخاص داخل ما يُسمى بالعملية السياسية الآن ؟ سؤال تترك إجابته للفطنة وللفطنين من الناس .

لا يغرنكم “شخص” لا يسأل نفسه هل يتقاضى ما يستحق، أم أكثر مما يستحق، لا يغرنكم “شخص” يعرف أن سيارة واحدة تكفية، لكنه يستعمل رتلا من السيارات رباعية الدفع، لا يغرنكم “شخص” يحتاج لحمايتة شخص أو إثنين لكنه يستخدم أفواجا للحماية، لا تنظروا إلى ما يقول في وسائل الإعلام، بل إنظروا إلى ما يفعل، هل يسكن في داره المتواضعة التي ورثها عن أبيه، أو إحتازها بعرق جبينه، أم يتمتع بنعيم السلطة التي هبطت عليه.

أقول لا تهتموا بمن سيحارب الفساد، لأنني أعرف أن ليس ثمة منخرط بما يسمى العملية السياسية لم يطاله الفساد، يغرق به حتى أذنيه أو يصيبه منه رذاذا، أنا شخصياً لا أستغرب أن يقول سياسي منخرط في العملية السياسية كلنا فاسدون، وهو صوت يدعي محاربة الفساد، فهو لم يقل إلا الحقيقة، لكن هذه الحقيقة على ألسنة هؤلاء تحمل مضامين أخرى، ليس بعيداً عنها أن من يحارب الفساد في بيئة كبيئة العراق، كمن يحرث في البحر، هي بمعنى آخر أنتم يا من تدعون إلى محاربة الفساد لا أمل لكم، فهذا الناطق ضد الفساد في كل محفل يعترف أنه فاسد أيضاً، إذن ما عليكم إلا توطين أنفسكم على العيش والتأقلم مع البيئة الفاسدة.

ألا أن الأمر ليس كما يفكرون، ولا وفق ما يخططون، فالأمر الطبيعي أن الفساد ليس القاعدة، بل هو الإستثناء .. نعم الفساد يوجد في كل الأنظمة، وفي كل المجتمعات، ولكن كإستثناء وليس كما هو في العراق حالياً كقاعدة، وقاعدة شاملة..

لأننا نبحث بالأبرة عن غير الفاسد، والأقل فساداً، لذا نضطر للقول مرغمين، لا يهم من سينبري لمكافحة الفساد، ولكن المهم ماهي القوانين والإجراءات المتخذه لمكافحة الفساد، مع أننا متأكدين أن أفضل القوانين يمكن أن تفقد مفعولها عندما يصار إلى تطبيقها على أيدي فاسد، وربما سيكون مردودها على العكس تماما من مبررات تشريعها.

قد يكون وضع الفاسد في السجن عقابا له جراء خيانته للآمانة، لكن إسترادد ما سرقه أو حصل عليه نتيجة إستغلاله السيء لوظيفته هو حق للشعب يجب عدم التساهل فيه، فهل يعقل مثلاً أن فاسداً إختلس مليارات الدنانير يحكم بشهر أو سنه سجن مع إيقاف التنفيذ، ومراهق يسرق رغيف خبز يحكم بست سنوات مع النفاذ !.

حالات مثل هذه تستدعي النظر فيمن كلفوا بالحكم بمقتضى القوانين، والبحث في نزاهتهم، هم ذاتهم، قبل إيكال تطبيق بنود النزاهه إليهم.. القضاء العادل النزيه هو المبتدى، والقوانين العادلة، التي تطبق على الجميع هي الأمر الأرأس، لا سلطة تعلو فوق سلطة القانون، لا سلطة للفرد أو الحزب أو العشيرة، أو الشيخ أو السيد، السلطة للقانون العادل الذي يراعي مصلحة الجميع، ومصلحة الوطن الذي ينتمي إليه الجميع وينتسب.

نحتاج إلى قانون “من أين لك هذا؟”، لا كمجرد شعار يرفعه تجار الشعارات، وإنما كميزان بالغ الدقة نقيس به أوزان الجميع، من أعلى رأس لأبسط شغيل، ولتفعيل قانون كهذا ينبغي أصدار قوانين أخرى واجبة التطبيق، لا تحاسب الفاسدين فقط، بل تحاسب وبشدة كل من يعيق تنفيذ هذه القوانين بأي شكل، فإعاقة تطبيق القوانين التي وضعت لخدمة الشعب، وحمايته من الفساد والمفسدين، جريمة لا تقل عن جريمة الفاسد والمختلس والمزور، وخائن الأمانة، وهي إرهاب موصوف.

إن وضع أطر قانونية صحية وصحيحة للعمل الوظيفي، الذي هو عمل إداري، وإداري فقط، لا ديني ولا عشائري، ولا حزبي، سيكون الشرط الذي لا مناص منه في عملية مكافحة الفساد.

التعليقات معطلة.