اخبار سياسية

اقتراح أمام البرلمان الجزائري يتصدّى للظّاهرة: الكلام الخادش يسجنك!

يسعى اقتراح القانون إلى الحد كذلك من ظاهرة التحرش.

جولة سريعة قد تقودك إلى أحد الشوارع، لتتناهى إلى مسامعك بعض المفردات ذات الإيحاءات والكلمات الخادشة للحياء الصادرة عن بضعة شباب طائشين غير آبهين بأي حسابات أخلاقية.
“ربما ما عشناه من همجية إرهابية خلال التسعينات أدى بنا إلى استعمال مفردات حادة ليس لها علاقة بعاداتنا وحشمتنا” يقول ساعد، في الـ60 من العمر، ويضيف: “الكلام الفاحش من المحرمات، حتى دينياً، ولكننا لا نتوانى عن التلفظ به”.
على طول الشارع، شباب يتصيدون ضحاياهم من الفتيات، بعضهم لسانه لا ينطق إلا إيحاءات جنسية على الملأ. اقتربنا من أمير مستفسرين، أجاب ضاحكاً: “لا يمكنك أن تجذب فتاة بكلام بسيط، لا بد أن تستعمل كلمات حادة”، تقاطعه نور مستنكرة: “ليست كل الفتيات سواء، ثم من هذه المخبولة التي تقبل بمصاحبتك بعد أن تسمعها هذا العفن الصادر من لسانك؟!”.
اتجهنا غير بعيد بعدما تناهى إلينا صوت شجار بين سائقي مركبتين. المارون في الشارع وقفوا مشدوهين أمام ما يسمعونه من المتخاصمين. إنه كلام يندى له الجبين، لا حياء فيه ولا خجل.
لم يكن الجزائريون بهذه الحال سابقاً، فالمفردات البذيئة وإن استعملت، يكون نطاقها ضيقاً، كونها ممنوعة عائلياً واجتماعياً، إلا أن واقع الحياة اليوم تغير بدليل استفحال هذه الظاهرة، بخاصة في الأماكن العامة، مع مغالاة في استعمال الكلمات النابية على اختلافها، وهو ما أحرج الكثير من الأسر التي باتت تتجنب الخروج والتفسح في الشارع أو الأماكن العامة تجنباً للحرج واجتناباً للمشاكل، وخصوصاً أن التفوه بكلمات نابية صار عادياً.
يقول محمد: “كثيراً ما تشاجرت مع أحدهم لا لشيء سوى لاستخدامه كلاماً فاحشاً خادشاً أمام مسمعي وأنا رفقة أحد أفراد عائلتي، حقاً صار الأمر مقززاً”. ويضيف أنه كلما فكر في الخروج رفقة زوجته ووالدته أو أي فرد من عائلته انتابه هاجس الشارع وما فيه من مفردات بائسة وخادشة، ما دفعه للعدول عن الخروج مكتفياً بجلسة عائلية داخل المنزل. “انفلات أخلاقي وجب ردعه”بادرت اللجنة القانونية في البرلمان الجزائري إلى اقتراح مادة في قانون العقوبات الجديد المعروض أمامها من الحكومة، تهدف إلى ردع من يستخدم الكلمات الخادشة للحياء في الأماكن العامة، وتعاقبه بالسجن 6 أشهر كاملة مع تغريمه مالياً.
هذا الاقتراح شهد تجاوباً واسعاً من فئات عدة من المجتمع الجزائري، ما يدل دلالة قاطعة إلى أن الأمر تعدى المعقول. 

 وفي هذا الصدد تقول الإعلامية أسماء بصالح، إن الظاهرة أخذت منحى خطيراً إلى درجة تصنيف الجزائريين من بين أكثر الشعوب استعمالاً للكلام الفاحش، وتضيف: “الأمر لم يعد يقتصر على فئة الشباب بل امتد إلى النساء والشيوخ وحتى الأطفال، إذ لا يخلو اليوم تجمّع في الأماكن العمومية كالمقاهي والملاعب وغيرها من الكلام البذيء والسب والشتم، بل وصل الأمر إلى ساحات المؤسسات التربوية من مدارس ومتوسطات وثانويات وجامعات”.
وعن الأسباب تقول بصالح في حديثها لـ”النهار العربي” إن “غياب الوازع الديني داخل الأسرة، وتراجع دور المؤسسات التربوية في الحث على أخلاق وقيم ديننا الحنيف، كلها عوامل وأسباب ساهمت في انفلات الألسن وقبح الكلام”؛ وهي ترى أن تفعيل قانون يعاقب من خلاله صاحب الكلام الفاحش صار لا بد منه للحد من هذه الظاهرة السيئة، وبسط الاحترام بين الجميع.
من جانبها، ترى أستاذة التعليم المتوسط نهال بودومي أن اقتراح البرلمان الجزائري صائب وجاء في وقته، آملة إقراره. 

وتقول: “نعيش انفلاتاً مجتمعياً أخلاقياً ونواجه صدمة حضارية نظراً لتداول كلمات السب والشتم والبذاءة وغيرها من الألفاظ غير المحترمة بيننا وبداعي الحرية؛ إننا حقاً أمام معضلة وجب معالجتها بالعودة للتأسيس لمعايير أخلاقية مع إلزام المجتمع بها”.
ووصفت بودومي الأمر بالخطر الذي “قد يدمر مجتمعاتنا وأبناءنا، وهو ما يحتم على الجميع، مؤسسات وهيئات وأفراداً، ضرورة التكاتف والبحث عن مكامن الخلل ومن ثم وصف العلاج الضروري والناجع”.
“اقتراح متشدد”دعا النائب الجزائري الطاهر بن علي إلى عدم اللجوء إلى تقييد الحياة العامة للأشخاص، مشيراً في المقابل إلى ضرورة “أخلقة” الحياة العامة.
وقال في اتصال مع “النهار العربي” إن الاقتراح المطروح أمام البرلمان الجزائري المتعلق بمعاقبة المتلفظ بالكلام الخادش للحياء في الأماكن العامة بالحبس 6 أشهر يعد متشدداً، لافتاً إلى ضرورة عدم المس بالحريات الشخصية للأفراد، ومؤكداً تفضيله اللجوء للغرامات المالية كوسيلة للردع والتخويف، وأيضاً كدخل إضافي لخزينة الدولة.
ويقول بن علي: “نحن طبعاً ضد هذا الانفلات الأخلاقي الواقع حالياً، ويؤسفنا ذلك، ولكن عقوبة السجن لها آثارها السلبية على الناس ولا سيما الشباب منهم”.