عبد الحق العاني
لا بُدَّ لي أن أبدأ بما أعنيه بأرضِ العربِ. فهي عندي الأرضُ التي سكنها العربُ منذ التأريخِ المدونِ، والتي نزحتْ من وسطها قريشُ لتستوطنَ مكةَ، وتمتدُ من بحرِ العربِ جنوبا حتى ديارِ بكرٍ شمالاً ومن جبالِ زاغروسَ شرقاً حتى البحرِ الأبيضِ المتوسط غرباً. وحتى لا يغضبنَّ أحدٌ من أهلِ مصرَ وشِمالِ افريقيا فاني لا أعني ان تلك الأرضَ ليست عربيةً لكنها ليست عندي من ارضِ العربِ الأصليةِ، لأن عربَها مستوطنونَ فهي عربية الإنتماءِ لكنها ليست من أرضِ العربِ في تعريفي هذا.
بعد هذا أدخلُ في حديثي اليوم.
لستُ من القائلينَ بان هناك مشاريعَ خبيثةً لأرضِ العربِ يخططُ لها وترسمُ في أماكنَ بعيدةٍ أو قريبة. ليسَ لأن هذا لا يحدثُ، وإنما ما يحدث اليوم أعمقُ من المؤامراتِ والخططِ الخارجية. وأقولُ ذلك لأني مراقبٌ للتأريخِ، وبرغمِ أني لا أقولُ بحتمية التأريخِ في كل مراحلهِ، لكني أعتقد أن أموراً تعود لتأكد دورتها لا بدّ أن تؤخذَ في الحسبانِ عند توقعِ ما ستؤولُ اليه أرضُ العربِ.
ومن حقائقِ التأريخِ تلك، والتي لن أدخلَ في محاولةِ فَهمها أو دِراستها، هي أن أرضَ العربِ هذه في كل تأريخها المدونِ كانت بشكل أساسٍ في واحدٍ من حالين:
ففي أحدِ الحالينِ كانت أرضُ العربِ قاعدةَ دولةٍ قويةٍ، بل ممتدةٍ خارجَ حدودِها مما يمكنُ أن يسمى “امبراطوريةً” في مصطلحِ اليوم. وهكذا قامت فيها سلسلةٌ من تلكَ الدولِ القويةِ والمُمتدةِ، من أكدية سرجون الى بابلية حمورابي الى آشورية نبوخذنصر الى دولة الراشدين الإسلامية الى الأموية الى العباسية.
أما الحالُ الثاني فقد كانت فيه أرضُ العربِ إما محتلةً أو مستعمرةً أو تحتَ الوصاية. فحين سقطت بابلُ في امبراطوريتها الثانيةِ سقط الهلالُ الخصيبُ بأيدي الفرسِ الذين حكموا حتى أزالَ دولتهُم الإسكندرُ المقدوني. وحين ولدَ الإسلامُ كانتْ أرضُ العربِ خاضعةً للفرسِ والرومِ، واللذينِ أزاحمها الزحفُ الإسلامي.
وهذه الحقيقةُ تعني أن أرضَ العربِ الممتدةَ من جبالِ زاغروسَ حتى الأبيضِ المتوسطِ كما اسلفتُ، لم تكن يوماً خارجَ هذين الحالين، فهي إما امبراطورية وإما اسيرةُ امبراطوريةٍ أخرى. وهذا ليسَ حالُ كلِّ بقعةٍ جغرافيةِ أو خريطةٍ سكانيةٍ في الأرض.
لكن الإنتقال من حالٍ الى حالٍ، لا يمكن أن يتِمَّ بين ليلةٍ وضُحاها. ونتجَ عن هذا أن أرضَ العربِ كانت تمر بين الحالينِ في مراحلَ مظلمةٍ ومشتتةٍ. ومن هذه ما حل بالمِنطقة بعد غزوِ المغولِ لبغداد عامَ 1258. فقد تحولت أرضُ العربِ الى أقاليمَ من طوائفَ ومذاهبَ حتى قضى الحكمُ العثماني على تلك التجزئةِ، واستحوذَ على أرضِ العربِ لقرونٍ عديدةٍ.
وحين سقطَ العثمانيون، وسقوطُ الإمبراطورياتِ هو احدى حتمياتِ التأريخِ، فقد اتنقلت أرضُ العربِ لمرحلةِ ضياعٍ جديدٍ، حيث لم يتعود أهلها لقرونٍ أن يشاركوا أو يفكروا في إدارةِ أمورهِمْ. وكان الحالُ غريباً ومُضطرباً حيثُ إن هناكَ فرقاً ولا شك بين حكمِ العثمانيينَ وحكمِ الأوربيين. فالعثمانيون شرقيونَ ومسلمونَ ادعوا ورثاتهم للخلافةِ الإسلاميةِ في أيِة حالٍ. أما المستعمرونَ الأوربيونَ فقد كانوا غرباءَ في كل شيءٍ، فحتى نصرانيتُهُم تختلفُ عن النصرانيةِ التي عَرَفَها مُسلمو أرضِ العرب.
فقامتْ الفوضى. فأجراءُ المستعمرِ قالوا إن الحل في النظامِ الرأسمالي، والشيوعيون قالوا إن الحلَ في الماديةِ الجدليةِ التي أجادَ فيها كارل ماركس، والقوميون قالوا إن الحلَ في أمةٍ عربيةٍ موحدةٍ، والإسلاميون قالوا إن الحلَ هو في العودةِ للخلافةِ الإسلامية.
وفَشِلَ الجميعُ!
فما هو الواقعُ اليوم؟
إن حقيقةَ التأريخِ أعلاه في أرضِ العربِ اليومَ، تبدو واضحةً في صراعٍ بين قوتين حقيقيتين محليتين عليها: وهما إيران وإسرائيل.
وحتى لا يقولنَّ قائلٌ: وماذا عن تركيا؟ فإني لا بد أن أعلقَّ على هذا قبل حديثي عن الصراع الإيراني الإسرائيلي. فتركيا برغمِ أن لها أطماعاً في أرض العرب تمتد من الإسكندرونة مروراً بادلبَ حتى المَوصلِ، إلا أنها لا تمتلكُ حريةَ القرارِ السياسيِ، بحكمِ كونها خاضعةً للقرارِ السياسي الأمريكي الذي يترتبُ طبيعياً على كل عضوٍ في حِلفِ شَمال الأطلسيِ، وذلك حين يتعلقُ الأمرُ بالسياسةِ الخارجيةِ والأمنية. فهي بهذا ليست طرفاً حقيقياً في الصراعِ في المرحلة القائمةِ لكنها قد تُصبحُ طرفاً إذا ما تطور الصراعُ لمواجهةٍ عسكرية، وشارك فيها حلفُ الأطلسي الى جانب حليفتهِ أسرائيل!ِ ويومها يصبح لزاماً على تركيا أن تختار أين تقف حقيقة وليس في تصريحات اردوغان الفارغة.
فما الذي يُحركَ الصراعَ الإيرانيَ الإسرائيليَ على أرضِ العربِ؟
إن في ايرانَ اليومَ قوتينِ قد تختلفانِ على طبيعةِ النظامِ المرجو للبلد، لكنهما متفقتانِ على وحدةِ وقوةِ وطموحِ إيرانَ. فالأولى هي وريثةُ الخميني وتؤمنُ بما جاء به من أن إيرانَ أجدرُ من غيرها في قيادة العالمِ الأسلاميِ، ولا بد أن تفرضَ إرادتها من باب نصرةِ الإسلامِ وعزتهِ. أما القوةُ الثانيةُ فهي القومية الفارسية التي تعتقدُ أن حقها الطبيعي، بعد تمكنها من بناءِ دولتها العصريةِ، هو في مدِ سلطانها نحو الأبيضِ المتوسط، كما فعلتْ الإمبراطوريةُ الفارسيةُ سابقاً حين وصلت القدس (أورشليم يومها). وهكذا فان القوتينِ داخلَ الدولة الإيرانية متفقتان على مد سلطانها نحو الأبيض المتوسط، كما تقتضيه حقيقة التأريخ باستحالة قيام قوتين بين زاغروس والبحرِ، وإن اختلفَ الهدفُ بين القوتين من هذا الإمتدادِ كما بينتُ.
أما اسرائيل فهي وليدةُ الصهيونيةِ العالميةِ، وهذه لديها مشكلةٌ كبيرةٌ مع الإسلامِ بشكلٍ عامٍ، لأنها وجدته عقبةً حقيقيةً أمامَ استحواذ الرأسماليةِ على العالمِ. فمن أخضعَ أرضَ العربِ فقد تمكنَ من مسلمي الأرض وسَوّدَ الصهيونيةَ العالميةَ على الأرضِ كلِها. ولم ينفع الصهيونيةً ما قامت به من خلقِ حركاتٍ سياسيةٍ بغطاءٍ ديني كما فعلتْ في حال “الوهابيةِ”، أو دعمِ حركاتٍ دينيةٍ أخرى. وحين فَشِل ذلك أصبحَ الغزوُ والإحتلالُ ضرورةً، ليس للهيمنة وإنما لتجزئةِ المجزء أصلاً.
وهكذا غزيَ العراقُ وغزيت ليبيا، وغزيت سوريةَ ودمر اليمن، من أجلِ خلقِ عالم الطوائفٍ المشابهِ لما كان الحالُ عليه بعدَ غزوِ بغدادَ في 1258. كي تصبحَ إسرائيلُ طائفةً بين تلك الطوائف، تقبلها بقيةُ الطوائفِ وتلوذُ جميعُها بها لتحميها فتسودَ على أرضِ العرب، ثم تستحوذُ الصهيونيةُ العالميةِ على المسلمين والعالم.
وهذا التناقضُ بين ما تريده إيرانُ وما تريده إسرائيلُ لأرضِ العربِ، هو سبب الصراع. فايران تريد أرضَ العرب موحدةً تحت نفوذها الإسلامي، وإسرائيلُ تريد أرض العرب مجزءةً تحت هيمنتها. وهذان حالان متناقضان لا بد أن يقودا للصراع.
ويتخذ هذا الصراع أشكالاً عديدة، وهي لا بد أن تقودَ لمواجهة عسكرية على أرض العرب يدفع العرب ثمناً باهضاً لها. أما متى ستقع تلك المواجهةُ العسكريةُ فليس علمُ هذا في يدي لأنه يتعلق بكثيرٍ مما يدور في الأرض من مشاكلَ سياسيةٍ واقتصادية.
أما اليوم فإن مظهرَ هذا الصراعِ يتجلى بوضوحٍ في سوريةَ، حيث تدعم ايرانُ الجيشَ السوريَّ وحزبَ اللهِ، بينما تدعمُ الصهيونيةُ العالميةُ حلفاءها المسلحينَ في سوريةَ، سواء أكان ذلكَ في دعم إسرائيلَ واحتضانها لهم، أم في التدريبِ والتسليحِ والتموينِ، من قبل قطرَ والسعوديةَ وتركيا والولاياتِ المتحدة كما اعترف بهِ حمد بن جاسم قبل أسابيع.
وهكذا فليس في الأمر من خفايا كي يتحدثَ من يتحدثُ أنه يرى خططاً ترسم في الخفاء. فالأمر نتيجةٌ طبيعيةٌ لواقع التأريخ الذي كتب لنا منذ ثلاثة آلافِ عامٍ باستحالة وجود قوتين بين جبال زاغروسَ والبحرِ الأبيضِ المتوسط.
وهذه المعركةُ تدورُ بين اللاعبين الكبارِ، فلماذا يتدخلُ فيها الصغارُ وكأن لهم وزناً؟ إن من لا يقدرُ أن ينفذَ شبكةً لتصريفِ الإمطارِ في مدينةٍ صغيرةٍ، لا يليق به أن يهدد بحرب ضدَّ دولةٍ تنتجُ كلَّ سلاحِها بنفسها، إلا اذا اعتقد أن الصهيونية بتلك الغباوةِ حتى يوجهَها هو لما يجبُ أن تفعلَه ويوقتَ لها ذلك.
لا بُدَّ لي أن أبدأ بما أعنيه بأرضِ العربِ. فهي عندي الأرضُ التي سكنها العربُ منذ التأريخِ المدونِ، والتي نزحتْ من وسطها قريشُ لتستوطنَ مكةَ، وتمتدُ من بحرِ العربِ جنوبا حتى ديارِ بكرٍ شمالاً ومن جبالِ زاغروسَ شرقاً حتى البحرِ الأبيضِ المتوسط غرباً. وحتى لا يغضبنَّ أحدٌ من أهلِ مصرَ وشِمالِ افريقيا فاني لا أعني ان تلك الأرضَ ليست عربيةً لكنها ليست عندي من ارضِ العربِ الأصليةِ، لأن عربَها مستوطنونَ فهي عربية الإنتماءِ لكنها ليست من أرضِ العربِ في تعريفي هذا.
بعد هذا أدخلُ في حديثي اليوم.
لستُ من القائلينَ بان هناك مشاريعَ خبيثةً لأرضِ العربِ يخططُ لها وترسمُ في أماكنَ بعيدةٍ أو قريبة. ليسَ لأن هذا لا يحدثُ، وإنما ما يحدث اليوم أعمقُ من المؤامراتِ والخططِ الخارجية. وأقولُ ذلك لأني مراقبٌ للتأريخِ، وبرغمِ أني لا أقولُ بحتمية التأريخِ في كل مراحلهِ، لكني أعتقد أن أموراً تعود لتأكد دورتها لا بدّ أن تؤخذَ في الحسبانِ عند توقعِ ما ستؤولُ اليه أرضُ العربِ.
ومن حقائقِ التأريخِ تلك، والتي لن أدخلَ في محاولةِ فَهمها أو دِراستها، هي أن أرضَ العربِ هذه في كل تأريخها المدونِ كانت بشكل أساسٍ في واحدٍ من حالين:
ففي أحدِ الحالينِ كانت أرضُ العربِ قاعدةَ دولةٍ قويةٍ، بل ممتدةٍ خارجَ حدودِها مما يمكنُ أن يسمى “امبراطوريةً” في مصطلحِ اليوم. وهكذا قامت فيها سلسلةٌ من تلكَ الدولِ القويةِ والمُمتدةِ، من أكدية سرجون الى بابلية حمورابي الى آشورية نبوخذنصر الى دولة الراشدين الإسلامية الى الأموية الى العباسية.
أما الحالُ الثاني فقد كانت فيه أرضُ العربِ إما محتلةً أو مستعمرةً أو تحتَ الوصاية. فحين سقطت بابلُ في امبراطوريتها الثانيةِ سقط الهلالُ الخصيبُ بأيدي الفرسِ الذين حكموا حتى أزالَ دولتهُم الإسكندرُ المقدوني. وحين ولدَ الإسلامُ كانتْ أرضُ العربِ خاضعةً للفرسِ والرومِ، واللذينِ أزاحمها الزحفُ الإسلامي.
وهذه الحقيقةُ تعني أن أرضَ العربِ الممتدةَ من جبالِ زاغروسَ حتى الأبيضِ المتوسطِ كما اسلفتُ، لم تكن يوماً خارجَ هذين الحالين، فهي إما امبراطورية وإما اسيرةُ امبراطوريةٍ أخرى. وهذا ليسَ حالُ كلِّ بقعةٍ جغرافيةِ أو خريطةٍ سكانيةٍ في الأرض.
لكن الإنتقال من حالٍ الى حالٍ، لا يمكن أن يتِمَّ بين ليلةٍ وضُحاها. ونتجَ عن هذا أن أرضَ العربِ كانت تمر بين الحالينِ في مراحلَ مظلمةٍ ومشتتةٍ. ومن هذه ما حل بالمِنطقة بعد غزوِ المغولِ لبغداد عامَ 1258. فقد تحولت أرضُ العربِ الى أقاليمَ من طوائفَ ومذاهبَ حتى قضى الحكمُ العثماني على تلك التجزئةِ، واستحوذَ على أرضِ العربِ لقرونٍ عديدةٍ.
وحين سقطَ العثمانيون، وسقوطُ الإمبراطورياتِ هو احدى حتمياتِ التأريخِ، فقد اتنقلت أرضُ العربِ لمرحلةِ ضياعٍ جديدٍ، حيث لم يتعود أهلها لقرونٍ أن يشاركوا أو يفكروا في إدارةِ أمورهِمْ. وكان الحالُ غريباً ومُضطرباً حيثُ إن هناكَ فرقاً ولا شك بين حكمِ العثمانيينَ وحكمِ الأوربيين. فالعثمانيون شرقيونَ ومسلمونَ ادعوا ورثاتهم للخلافةِ الإسلاميةِ في أيِة حالٍ. أما المستعمرونَ الأوربيونَ فقد كانوا غرباءَ في كل شيءٍ، فحتى نصرانيتُهُم تختلفُ عن النصرانيةِ التي عَرَفَها مُسلمو أرضِ العرب.
فقامتْ الفوضى. فأجراءُ المستعمرِ قالوا إن الحل في النظامِ الرأسمالي، والشيوعيون قالوا إن الحلَ في الماديةِ الجدليةِ التي أجادَ فيها كارل ماركس، والقوميون قالوا إن الحلَ في أمةٍ عربيةٍ موحدةٍ، والإسلاميون قالوا إن الحلَ هو في العودةِ للخلافةِ الإسلامية.
وفَشِلَ الجميعُ!
فما هو الواقعُ اليوم؟
إن حقيقةَ التأريخِ أعلاه في أرضِ العربِ اليومَ، تبدو واضحةً في صراعٍ بين قوتين حقيقيتين محليتين عليها: وهما إيران وإسرائيل.
وحتى لا يقولنَّ قائلٌ: وماذا عن تركيا؟ فإني لا بد أن أعلقَّ على هذا قبل حديثي عن الصراع الإيراني الإسرائيلي. فتركيا برغمِ أن لها أطماعاً في أرض العرب تمتد من الإسكندرونة مروراً بادلبَ حتى المَوصلِ، إلا أنها لا تمتلكُ حريةَ القرارِ السياسيِ، بحكمِ كونها خاضعةً للقرارِ السياسي الأمريكي الذي يترتبُ طبيعياً على كل عضوٍ في حِلفِ شَمال الأطلسيِ، وذلك حين يتعلقُ الأمرُ بالسياسةِ الخارجيةِ والأمنية. فهي بهذا ليست طرفاً حقيقياً في الصراعِ في المرحلة القائمةِ لكنها قد تُصبحُ طرفاً إذا ما تطور الصراعُ لمواجهةٍ عسكرية، وشارك فيها حلفُ الأطلسي الى جانب حليفتهِ أسرائيل!ِ ويومها يصبح لزاماً على تركيا أن تختار أين تقف حقيقة وليس في تصريحات اردوغان الفارغة.
فما الذي يُحركَ الصراعَ الإيرانيَ الإسرائيليَ على أرضِ العربِ؟
إن في ايرانَ اليومَ قوتينِ قد تختلفانِ على طبيعةِ النظامِ المرجو للبلد، لكنهما متفقتانِ على وحدةِ وقوةِ وطموحِ إيرانَ. فالأولى هي وريثةُ الخميني وتؤمنُ بما جاء به من أن إيرانَ أجدرُ من غيرها في قيادة العالمِ الأسلاميِ، ولا بد أن تفرضَ إرادتها من باب نصرةِ الإسلامِ وعزتهِ. أما القوةُ الثانيةُ فهي القومية الفارسية التي تعتقدُ أن حقها الطبيعي، بعد تمكنها من بناءِ دولتها العصريةِ، هو في مدِ سلطانها نحو الأبيضِ المتوسط، كما فعلتْ الإمبراطوريةُ الفارسيةُ سابقاً حين وصلت القدس (أورشليم يومها). وهكذا فان القوتينِ داخلَ الدولة الإيرانية متفقتان على مد سلطانها نحو الأبيض المتوسط، كما تقتضيه حقيقة التأريخ باستحالة قيام قوتين بين زاغروس والبحرِ، وإن اختلفَ الهدفُ بين القوتين من هذا الإمتدادِ كما بينتُ.
أما اسرائيل فهي وليدةُ الصهيونيةِ العالميةِ، وهذه لديها مشكلةٌ كبيرةٌ مع الإسلامِ بشكلٍ عامٍ، لأنها وجدته عقبةً حقيقيةً أمامَ استحواذ الرأسماليةِ على العالمِ. فمن أخضعَ أرضَ العربِ فقد تمكنَ من مسلمي الأرض وسَوّدَ الصهيونيةَ العالميةَ على الأرضِ كلِها. ولم ينفع الصهيونيةً ما قامت به من خلقِ حركاتٍ سياسيةٍ بغطاءٍ ديني كما فعلتْ في حال “الوهابيةِ”، أو دعمِ حركاتٍ دينيةٍ أخرى. وحين فَشِل ذلك أصبحَ الغزوُ والإحتلالُ ضرورةً، ليس للهيمنة وإنما لتجزئةِ المجزء أصلاً.
وهكذا غزيَ العراقُ وغزيت ليبيا، وغزيت سوريةَ ودمر اليمن، من أجلِ خلقِ عالم الطوائفٍ المشابهِ لما كان الحالُ عليه بعدَ غزوِ بغدادَ في 1258. كي تصبحَ إسرائيلُ طائفةً بين تلك الطوائف، تقبلها بقيةُ الطوائفِ وتلوذُ جميعُها بها لتحميها فتسودَ على أرضِ العرب، ثم تستحوذُ الصهيونيةُ العالميةِ على المسلمين والعالم.
وهذا التناقضُ بين ما تريده إيرانُ وما تريده إسرائيلُ لأرضِ العربِ، هو سبب الصراع. فايران تريد أرضَ العرب موحدةً تحت نفوذها الإسلامي، وإسرائيلُ تريد أرض العرب مجزءةً تحت هيمنتها. وهذان حالان متناقضان لا بد أن يقودا للصراع.
ويتخذ هذا الصراع أشكالاً عديدة، وهي لا بد أن تقودَ لمواجهة عسكرية على أرض العرب يدفع العرب ثمناً باهضاً لها. أما متى ستقع تلك المواجهةُ العسكريةُ فليس علمُ هذا في يدي لأنه يتعلق بكثيرٍ مما يدور في الأرض من مشاكلَ سياسيةٍ واقتصادية.
أما اليوم فإن مظهرَ هذا الصراعِ يتجلى بوضوحٍ في سوريةَ، حيث تدعم ايرانُ الجيشَ السوريَّ وحزبَ اللهِ، بينما تدعمُ الصهيونيةُ العالميةُ حلفاءها المسلحينَ في سوريةَ، سواء أكان ذلكَ في دعم إسرائيلَ واحتضانها لهم، أم في التدريبِ والتسليحِ والتموينِ، من قبل قطرَ والسعوديةَ وتركيا والولاياتِ المتحدة كما اعترف بهِ حمد بن جاسم قبل أسابيع.
وهكذا فليس في الأمر من خفايا كي يتحدثَ من يتحدثُ أنه يرى خططاً ترسم في الخفاء. فالأمر نتيجةٌ طبيعيةٌ لواقع التأريخ الذي كتب لنا منذ ثلاثة آلافِ عامٍ باستحالة وجود قوتين بين جبال زاغروسَ والبحرِ الأبيضِ المتوسط.
وهذه المعركةُ تدورُ بين اللاعبين الكبارِ، فلماذا يتدخلُ فيها الصغارُ وكأن لهم وزناً؟ إن من لا يقدرُ أن ينفذَ شبكةً لتصريفِ الإمطارِ في مدينةٍ صغيرةٍ، لا يليق به أن يهدد بحرب ضدَّ دولةٍ تنتجُ كلَّ سلاحِها بنفسها، إلا اذا اعتقد أن الصهيونية بتلك الغباوةِ حتى يوجهَها هو لما يجبُ أن تفعلَه ويوقتَ لها ذلك.