الياس حرفوش
يخطر في الذهن سؤال عند قراءة مضمون الوثائق التي أفرجت عنها الاستخبارات المركزية الأميركية أخيراً، ما استولت عليه قواتها الخاصة من المنزل الذي قتلت فيه أسامة بن لادن في بلدة أبوت آباد الباكستانية في تلك الليلة من شهر أيار (مايو) 2011: ماذا لو استطاعت القوات الأميركية الوصول إلى الملجأ أو النفق الذي يختبىء فيه أبو بكر البغدادي، حيث يقال إنه موجود الآن في منطقة وادي الفرات عند الحدود السورية- العراقية؟ أي كنز من المعلومات والأسرار ستكشف لنا أوراق هذا «الخليفة» المزعوم عن الظروف التي نشأ فيها تنظيمه الإرهابي، وعن الجهات التي وظّفته واشتغل لمصالحها؟
وإذا كانت وثائق بن لادن كشفت التعاون الفعلي الذي كان قائماً بين «القاعدة» والنظام الإيراني، على مستوى التدريب والتسلح وتحديد أهداف الاعتداءات، وهو ما كانت سلطات طهران تنفيه في حينه وتزعم شراكتها مع الدول الأخرى في الحرب على الإرهاب، فما الذي ستقوله وثائق البغدادي، لو أُتيح لنا الاطلاع عليها يوماً ما، عن مدى التنسيق بين تنظيمه والاستخبارات السورية والإيرانية، والتسهيلات التي تم تقديمها لعناصره في ظل حكم نوري المالكي في العراق، ما أتاح له التقدم والسيطرة على أجزاء واسعة ومدن رئيسة في سورية والعراق، هي المدن التي يتم تدميرها اليوم لتحريرها من شراسة وجرائم هؤلاء الإرهابيين؟
تلاقي المصالح والأهداف بين»القاعدة» وإيران، على رغم الخلافات المذهبية، دفع طهران في منتصف التسعينات من القرن الماضي إلى تقديم عرض لأسامة بن لادن بـ «امداد الاشقاء السعوديين من القاعدة بالسلاح والمال، وتدريبهم في معسكرات حزب الله في لبنان، شرط أن يهاجموا المصالح الأميركية في الخليج». وفي وثيقة أخرى، يصف بن لادن إيران بأنها «الشريان الرئيس للأموال والأفراد والاتصالات». كما تؤكد هذه الوثائق الاتصالات والرسائل التي كانت متبادلة بين بن لادن و «المرشد» الإيراني علي خامنئي، إضافة طبعاً إلى ما هو معروف من هرب أفراد من عائلة بن لادن، ومن بينهم ابنه حمزة، إلى إيران بعد خروجهم من جبال تورا بورا، ثم بعد مقتل «الشيخ» في أبوت آباد.
وفيما لا تتوقف طهران عن إدانة الأعمال الإرهابية والتنصل من أي علاقة لها بهذه التنظيمات، نكتشف الآن أن ثمانية من أفراد الفريق الذي نفذ هجمات 11 سبتمبر مرّوا عبر إيران في طريقهم إلى الولايات المتحدة، كما كان عناصر «القاعدة» يتنقلون عبر الحدود الإيرانية بصورة دورية من دون أن تختم جوازاتهم. وكشفت التحقيقات الأميركية في هجمات 11 سبتمبر أن مسؤولين إيرانيين كانوا يعقدون اجتماعات مع قياديين في «القاعدة»، من بينهم أسامة بن لادن، في أوائل التسعينات في السودان، حيث كان يقيم، عندما كان يتم التخطيط للهجمات ضد السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا، وضد أهداف أميركية أخرى في منطقة الخليج، من بينها الهجوم الإرهابي على مجمع الخبر في السعودية في حزيران (يونيو) 1996.
ومع أن البغدادي أثبت أنه أكثر حرصاً من بن لادن على السرية، وأقل ميلاً إلى النجومية الإعلامية، فلا شك في أن بين يديه كنزاً ثميناً سيفوق بكثير، إذا تم العثور عليه، ما أصبحنا نعرفه الآن عن حياة زعيم «القاعدة» ونشاطاته واتصالاته السرية بإيران. وثائق البغدادي سوف تكشف لنا أن قيام «داعش» لم يكن مجرد صدفة، لا عندما فُتحت له الطريق للاستيلاء على الموصل ومدن أخرى في العراق من دون مقاومة، ولا عندما استباح الأراضي السورية وارتكب المجازر ضد الآمنين فيها. فتشويه صورة الثورة السورية والقضاء على حلم السوريين في التغيير السلمي، والدور الطاغي لإيران و «الحشد الشعبي» في العراق، ما كان يمكن تحقيقهما لو لم يكن «داعش» موجوداً، وقد فعل ذلك بجدارة. وها هم الذين أشرفوا على رعايته يتركونه الآن يواجه أيامه الأخيرة بعدما قبضوا ثمن القضاء عليه.