لبنان لم يعد ضمن المعايير المالية العالمية، وبات يُنظر إليه كبلد عاجز عن الالتزام بالحد الأدنى من الشفافية والإدارة الرشيدة.
شارك لبنان في اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لعام 2025 في واشنطن، وسط أجواء أكثر إيجابية من السنوات السابقة، رغم الصورة القاتمة التي نقلتها بعض وسائل الإعلام. لكن الواقع الماليّ للبنان لا يزال شديد التعقيد، وتكمن أبرز الإشكاليات في فقدان الثقة، سواء من المجتمع الدولي أو من اللبنانيين أنفسهم.
فقدان الثقة: التحدّي الأكبر
لبنان لم يعد ضمن المعايير المالية العالمية، وبات يُنظر إليه كبلد عاجز عن الالتزام بالحدّ الأدنى من الشفافية والإدارة الرشيدة. المجتمع الدولي لا يشكّك في إمكانات لبنان الاقتصادية والمالية، بل بالطبقة الحاكمة التي فقدت مصداقيتها. المؤسسات الرسمية تُعتبر اليوم غير موثوقة، وهو ما يجعل أيّ وعود بالإصلاح أو التعافي موضع تشكيك دائم.
استعادة الثقة تتطلّب أولاً ظهور قيادة سياسية تملك رؤية موحّدة، وخطاباً واحداً، وخطة إنقاذية فعليّة، وليس مجرّد شعارات أو وعود مؤقتة. فاللقاءات الدولية، بحسب مصادر مطّلعة، لم تعد تمنح لبنان “مهلاً مفتوحة”، بل تُدار ضمن تواقيت مختصرة ومحددة، تعكس مستوى الاهتمام المحدود بالوضع اللبناني ما لم يطرأ أيّ تغيير ملموس.
تحول في المقاربة الدولية بعد رفع السرية المصرفية
أشار بعض المشاركين في الاجتماعات إلى تغيّر نوعيّ في طريقة التعامل مع لبنان، خاصّة بعد رفع السريّة المصرفيّة، حيث باتت الشفافية المالية مطلباً ملحًّا لا يمكن التهرّب منه. واعتبرت المصادر أن نظرة لبنان إلى طريقة تعامل المجتمع الدولي معنا يجب أن تتغير؛ فعلى عكس ما يشاع هو ليس بمنطق “الجزرة والعصا”، بل بمقاربة ترتكز على معايير واضحة غير قابلة للتفاوض. فالمطلوب ليس الامتثال لمطالب سياسية، بل التزام بقواعد الاقتصاد العالمي.
المتضرر الأول: المغتربون اللبنانيون
الجهة الأكثر تضررًا من التدهور المالي اللبناني هم اللبنانيون في الخارج الذين يحوّلون الأموال إلى بلدهم. هؤلاء فقدوا الثقة في المصارف والنظام المالي، ويواجهون صعوبة في تحويل الأموال أو استخدامها داخليًا، مما أدّى إلى تقلّص التحويلات (تُعدّ شريان حياة للاقتصاد اللبناني) وتُفاقِم الأزمة.
إصلاحات أم شعارات؟
إحدى المعضلات الأساسية التي ناقشتها الوفود هي غياب أيّ رؤية واضحة لتطوير النظام الضريبي اللبناني. ففي حين شدّد الخطاب الرسمي على “تفعيل الجباية”، لم يتم التطرّق إلى أهمية تعديل البنية الضريبية وجعلها أكثر عدالة وكفاءة. هذا النقص في الخطاب الرسمي يُظهر استمرار النهج القديم الذي يقوم على الجباية من دون إصلاح، مما يعمّق الفجوة بين الدولة والمواطن.
أعضاء من الوفد اللبناني الذي شارك في اجتماعات الربيع (وكالات)