بوتين ٢٠١٨

1

رائد جبر
يبدو الكرملين وهو يستعد لاستحقاق الانتخابات الرئاسية في آذار (مارس) المقبل، أنجز وضع خياراته السياسية على المستويين الداخلي والخارجي. والإشارات التي أطلقها الرئيس فلاديمير بوتين في مناسبات عدة خلال الأسابيع الأخيرة، تشي بأن مطبخ صنع القرار الروسي رسم ملامح التحركات المقبلة على أكثر من صعيد، على رغم تريث بوتين في إعلان ترشحه لولاية جديدة. وهذا أمر مفهوم داخلياً. فالمخاوف الروسية من شبح «التدخل الخارجي» ومحاولة استخدام تردي الأوضاع المعيشية لزعزعة الوضع، دفعا إلى إجراء مراجعة شاملة، برزت ملامحها في دفع «وجوه جديدة» لخوض السباق الرئاسي، بدلاً من الاكتفاء التقليدي برؤساء الأحزاب التقليدية. والتوجه النشط لتوسيع دائرة الحضور «الشبابي» في الحياة السياسية. إضافة إلى التحرك لإعادة ترتيب الفريق الرئاسي من خلال حركة إقالات واسعة طاولت قيادات المؤسستين العسكرية والأمنية. وهدفت إلى تعزيز ولاء حكام الأقاليم والمحافظات.
ومع اقتراب نهاية العام، موعد الإطلاق الرسمي للحملة الانتخابية الرئاسية، ليس ثمة بوادر إلى ظهور منافس جدي لبوتين. وتشير استطلاعات حديثة إلى أن سيد الكرملين سيحصد بسهولة أصوات نحو ثلثي الناخبين. ما يعني أنه سيحافظ على ثقة واسعة داخلياً، تمنحه القدرة اللازمة لتوجيه الجهد الأكبر نحو السياسة الخارجية.
في الأيام الماضية، تعمد بوتين في أكثر من مناسبة، وضع الملامح العامة لتحركاته المقبلة، التي لا تخفي ميلاً نحو تصعيد المواجهة مع الغرب على أكثر من محور.
والحديث عن «تقويض أحادية القطبية» بات يحمل سمات تتجاوز التركيز على أخطاء السياسة الأميركية التي أدت إلى إشعال حرائق عدة في العالم. ولَم يعد يقف عند انتقاد «الظلم التاريخي» الذي لحق بروسيا عند انهيار الاتحاد السوفياتي. وغدا يركز أكثر على زيادة التأثير الاقتصادي لبلدان تقع خارج نطاق سيطرة الغرب، ما يعزز توجه الكرملين نحو سياسة المحاور الاقتصادية والسياسية في «عالم ما بعد الغرب».
ويحمل هذا التوجه انقلاباً في العلاقة مع أوروبا، التي «فشلت في الانضمام كلاعب مستقل إلى عملية تشكيل النظام العالمي الجديد، وانشغلت بقضايا داخلية أفقدتها النفوذ العالمي».
كما أن النجاح الروسي في مواجهة «الفوضى» التي سببتها الولايات المتحدة عبر «الربيع العربي» و «منع سقوط المنطقة» يوفران وفق قناعة الكرملين أرضية لتوسيع دائرة التدخل في الملفات الإقليمية والدولية. لأن مشكلات العالم كما قال أحد مهندسي السياسة الروسية «لا تقتصر على قضايا الشرق الأوسط بل تمتد من ملفات الانفصال في أوروبا إلى كوريا الشمالية والعلاقة الأميركية الصينية المعقدة وأزمة أوكرانيا وغيرها».
الجديد الذي يطرحه بوتين يقوم على الانتقال من مبدأ التسويات المرضية لكل الأطراف، الذي نادت به روسيا خلال السنوات الماضية، إلى بناء قواعد جديدة تقوم على الإقرار بوجود خلافات مستعصية على الحل لكنها تضع إطاراً لعلاقات جديدة ومتوازنة، تنهي معادلة «المنتصر والمهزوم» في الحرب الباردة.
بعبارة أخرى فإن بوتين في نسخته الرئاسية الجديدة يسعى لتكريس علاقة مع الغرب تقوم على نموذج العلاقات التي تشكلت بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة ما بعد عام 1962. مع كل ما يتطلب ذلك من استعداد للمواجهة والتصعيد لضمان المحافظة على تكافؤ العلاقات. وكمؤشر إلى جدية النيات الروسية، تعمد بوتين الذي لم يعلق على موضوع الأسلحة النووية الإستراتيجية لسنوات عدة، إثارة هذا الملف أخيراً، خلال منتدى» فالداي» للحوار الاستراتيجي عبر إعلان استعداد روسيا للانسحاب من معاهدة تدمير الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى. مع كل ما يحمل ذلك من تبعات في شأن تأجيج سباق تسلح جديد، وتوسيع نطاق نشر الأسلحة في أوروبا.

التعليقات معطلة.