حزب الله …. أحلام التمدد

1

ماجد عاطف

في منتصف أغسطس الماضي نقلت لنا شاشات التلفزة لقطات تبدو شاذة للناظرين، مقاتلي تنظيم “داعش” ينتقلون برفقة أسرهم في حافلات يحميها الجيش اللبناني وحزب الله والجيش السوري. فأعداء الأمس، أي الجيش اللبناني وحزب الله والجيش السوري، صاروا اليوم حريصين على نقل عناصر التنظيم بأمان من الحدود اللبنانية إلى الحدود السورية العراقية، منهين بذلك أحد فصول رواية لحرب داخلية طويلة بالوكالة.

تأتي معركة عرسال بعد دخول حسن نصرالله الحرب في سورية والتي بالطبع كان للتكليف الإيراني له بدخولها دورا بارزا، لكنها أيضا كانت نقلة في مسار حزب الله الذي يسعى جاهدا للتحول من حركة مقاومة في بلد صغير مثل لبنان إلى قوة إقليمية لها ثقل في المنطقة ، وهذا ما أكده بالفعل خلال معركته الأخيرة في جرود عرسال التي أعلن فيها انتهاء وجود “داعش” على الحدود اللبنانية والسورية وإحكام سيطرته على الداخل اللبناني بشكل كبير ومحاولة حزب الله إشراك الجيش اللبناني معه في كل شيء بهدف تكرار النموذج الإيراني (الحرس الثوري والجيش النظامي).

ومع قيام الثورة السورية في 2011 وما أعقبها من انقسامات وتطاحن بين القوى المختلفة، نزح عدد غير قليل من سكان مدينة القلمون السورية (اغلبهم من السنة) وعبروا الحدود اللبنانية واستقروا ببلدة “عرسال” اللبنانية، التي تقع على الحدود السورية اللبنانية. وربما بسبب وجودها على مرتفعات جبلية اكتسبت عرسال التي لا يتجاوز عدد سكانها 35,000 نسمة اسمها والذي يعني باللغة الآرامية القديمة “عرش الرب” البلدة الصغيرة التي باتت مسرحا جديدا لصراعات إقليمية.

ونظرا لان البلدة الصغيرة لا تستوعب الأعداد النازحة، تم إنشاء مخيمات للاجئين. وبمرور الوقت أحكم تنظيم “جبهة النصرة” قبضته بدرجة كبيرة على مخيم عرسال، وبدأت الاحتكاكات بين المسلحين بعضهم البعض تزداد، وكثيرا ما كان الجيش اللبناني نفسه يتعرض لإصابات أو لاختطاف جنوده، حين كان يحاول السيطرة على الموقف، وفي الوقت ذاته كان حسن نصر الله يعلن بوضوح أن حزب الله يحارب إلى جانب بشار فيما أسماه بالحرب المقدسة، وهم ما جعل المسلحين يبدأون بتوجيه ضربات للداخل اللبناني.

وفي منتصف أبريل عام 2013، تحدث بشار الأسد عن عرسال واصفا إياها بانها باتت معسكر لمن اسماهم بالمسلحين والتي يجب قصفها. وبالفعل زادت حدة الغارات والاختراقات من جانب الجيش السوري للأجواء اللبنانية لتوجيه ضربات لهذا المعسكر.

لكن التحول الدراماتيكي الأكبر في المشهد حدث في أغسطس 2014 مع واقعة اختطاف 16 جندي لبناني على يد جبهة النصرة، وهنا بدأت أصوات التذمر تعلو داخل الشارع اللبناني من حسن نصر الله وتنظيم حزب الله، الذي اعتبر اللبنانيون أن تدخله في الحرب السورية دعما لبشار هو الذي جلب الدواعش إلى بلادهم.

وباءت كل محاولات إنقاذ هؤلاء الجنود بالفشل، إلا أن تدخلت قطر ونجحت في إقناع “جبهة النصرة” بإطلاق سراح الجنود المختطفين في مقابل إطلاق سراح 26 سجينا لهم في السجون اللبنانية (من ضمنهم سجى الدليمي طليقة أبو بكر البغدادي). ومع ذلك، فإن نفوذ جبهة النصرة (داعش) لم ينتهي أو يقل بالعكس، زاد نفوذهم ليصل إجمالي المساحة التي تحت سيطرتها داخل البلدين لما يقرب من 300 كم² واستمر اقتناص الجنود والمناوشات، وبدأت النصرة توجه عملياتها للداخل اللبناني عقابا لحزب الله على مشاركته بالحرب السورية.

وفي ذكرى احتفالات نصر تموز، أعلن نصر الله انه حان الوقت لاستعادة عرسال، لم يكتف نصر الله بإعلان الحرب هذا بل أعلن تقسيم الأدوار قائلا: بفضل القرار السياسي الحكيم مع الرئيس ميشال عون سيخوض المعركة من ناحية حدود لبنان الجيش اللبناني ونحن والجيش السوري سنقود المعركة من القلمون بسورية وخلال أيام سنعلن النصر”.

وبالفعل تحرك الجيش اللبناني ليحرر ١٢٠كم من أصل ١٤٠كم كانت تحت سيطرة تنظيم “داعش” على الحدود اللبنانية وفي المقابل على الحدود السورية كانت داعش تسيطر على ٣١٠كم استعاد منها حزب الله والجيش السوري ٢٧٠كم على عدة مراحل ثم تمت المفاوضات.

قرار نصر الله دخول الحرب الأن رغم أنّ حزب الله كان قادرا منذ العام 2015 على إنهاء وجود المسلحين القادم معظمهم من القلمون التي سيطر عليها الحزب، يشي بوضوح عن نوايا نصر الله الذي من جانب رآها فرصة لاستعادة شعبيته المفقودة نسبيا في لبنان، ليظهر من جديد كالبطل الذي حررهم من الإسرائيليين في تموز وها هو يحررهم من الدواعش اليوم مستفيدا من التوافق الدولي على حتمية الخلاص من الكابوس الداعشي، ومن جانب أخر يعزز مكانته الإقليمية، وأخيرا يساعد حليفة الأول إيران على بسط نفوذها بالإقليم.

لكن نصر الله فاجئ الجميع بقبوله التفاوض مع الدواعش منفردا، لينهي المشهد باتفاق يضمن خروج النصرة (670 فرد) من لبنان متجهين إلي البوكمال بشرق سوريا في مقابل أن يرشدهم على مكان جثث شهداء حزب الله والجنود اللبنانيين إضافة إلى جثة الجندي الإيراني محسن حججي (اللي أعدمته داعش أمام الكاميرات) – ليعلن بعدها نصر الله انتهاء الحرب مهنئا الشعب اللبناني بالنصر، وهو ما ازعج الحكومة العراقية بشده، إذ فجأة وجدوا الدواعش مرة أخرى على حدودهم، وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قائلا “نقل أعداد كبيرة من داعش إلى المناطق الحدودية مع العراق أمر غير مقبول”.

ما يعتبره الإيرانيون خطوة للأمام لبسط النفوذ، يراه السعوديين خطر محدق بهم. وقد التزمت السعودية رسميا الصمت خلال المعركة، لكن نظرة على عناوين المقالات الصادرة في جريدة الشرق الأوسط المملوكة للأمير تركي بن سلمان والتي تعتبر لسان البلاط الملكي، تدرك أنها تبنت خط واحد وهو الحديث عن الأطماع الإيرانية في لبنان، مشيرة إلى أن قرار الحرب اتخذ في طهران .

لم تكن الرياض فقط هي من تراقب ما يحدث في عرسال، إسرائيل أيضا يقلقها التواجد الإيراني في محيطها. وفي مكالمة هاتفية مع أحد كبار المسئولين الإسرائيليين السابقين عبر الرجل لي عن المخاوف الإسرائيلية مما يحدث في عرسال قائلا:

“لنكن واضحين أن حسن نصر الله الأن هو لبنان ولبنان هي حسن نصر الله، لكن ما يهمنا هنا هو التغول الإيراني بواسطة حزب الله في سورية، لن نسمح لإيران أو حزب الله بإنشاء أي قواعد في سوريا، ويمجرد اقترابهم من مرتفعات الجولان سنضرب بقوه دون تردد، ولعل الغارة الأخيرة التي استهدفت مصنعاً لإنتاج الصواريخ والأسلحة الكيماوية في حماه -سورية جعل واضحا لهم إننا لن نتردد في استخدام القوة حال تجاوزهم الخطوط الحمراء “.

دير الزور هي ثاني أكبر المحافظات السورية وترجع أهميتها إلى عدة أسباب، فهي المعبر الجغرافي الأهم بين سوريا والعراق، نظرا لملامستها محافظتي (نينوى والأنبار) العراقيتين، واحتوائها على حقول غاز ونفط كثيرة. ولأهمية دور الزور الاستراتيجية واللوجستية حرص تنظيم ” داعش” على إحكام السيطرة عليها منذ 2014.

وبالقطع ترى واشنطن وموسكو أن دير الزور من اهم النقاط الذي يجب القضاء على داعش بها، وكلاهما ينظر إلى ما بعد الحرب ومن سيبسط نفوذه بها، وقد لقى الجنرال فاليري اسابوف (كبير المستشارين العسكريين الروس في سوريا) مصرعه في تلك المعركة، ولعل اشتراك قائد عسكري بحجم اسابوف في المعركة، يعكس مدى الاهتمام الذي توليه موسكو لتلك البقعة الاستراتيجية.

التحالفات في تلك المعركة عكست ما يمكن أن نسميه الحرب بالوكالة، فمن جانب تحالفت قوات سوريا الديمقراطية (المدعومة من أمريكا) والأكراد، ومن جانب آخر تحالف الجيش السوري وإيران وحزب الله (المدعوم من روسيا) – للخلاص من عناصر داعش بالمحافظة.

من جانبه وجد نصر الله في معركة دير الزور فرصة مناسبة للإعلان عن قوته الإقليمية أو إرهاصاتها، وهو ما يفسر لماذا (ولأول مرة) يرفع الحزب السرية عن قيادة عسكرية ميدانية له، فقد كشف «حزب الله» عن القائد الميداني لقواته بدير الزور والملقب باسم الحاج أبو مصطفى من خلال لقاء تلفزيوني له ظهر فيه شارحا دور حزب الله في المعركة موجها الشكر لحلفائهم الروس وبشار مهنئا الشعب السوري بهذا النصر.

ظهور الحاج أبو مصطفى عبر شاشات التلفزة لم يكن عشوائيا أو صدفه، بل كان مقصود تماما فيما يعتبر نقلة نوعية في سياسة حزب الله الإعلامية، يمكن القول أن التنظيم قرر أخيرا الظهور من تحت الأرض، مصدرا بيانا حربيا شبه رسمي هنأ فيه الشعب السوري بانتصاره مؤكدا “أن سوريا الواحدة الموحدة ستبقى عصية على المؤامرة الكبرى”.

لكن دور حزب الله الذي يحلم بالتمدد لا يقف عند سورية، ففي العراق أيضا يلعب جنود الله دورا بارزا وان كان مختلفا نسبيا، ففي الوقت الذي يقاتل حزب الله في سوريا بنفسه، فان دوره في العراق يقتصر على التدريب حيث يشرف حزب الله على تدريب لواء فاطميون الإيراني أشراف كامل في العراق ووفقا لروايات بعض المقاتلين فان أحيانا ترسل بعض العناصر إلى مخيمات الحزب في جنوب لبنان لتلقى تدريب نوعي على حرب الشوارع.

لا يمكن الجزم ما الخطوة القادمة لنصر الله، وهل سينجح في خلق نموذج جديد من الحرس الثوري الإيراني؟ أو هل يمكن وقفه؟

التعليقات معطلة.