شبح الفساد

1

 

جاسم الحلفي

اغرب ما يصدر عن المتنفذين هو النفاق الملازم لتصريحاتهم عن التصدي للفساد ومحاربته، ومحاولاتهم تعميمه بادعاء ان الجميع متورط فيه، حيث لا توجد جهة – حسب ادعائهم – لم تتلطخ ايديها بسرقة المال العام والتجاوز عليه. كذلك تحميل المواطن بدون وجه حق اسباب الفساد وتداعياته، مبررين ذلك بان الفاسد لم ينزل من المريخ وانما هو من اوساط الشعب، ويحمل قيمه واخلاقياته! وعندما تشح عندهم الذرائع يقولون ان المواطن هو الذي انتخب الفاسدين. وبطبيعة الحال يراد من ذلك التغطية على رموز الفساد وتمويه مسؤوليتهم، وحمايتهم من الملاحقة القانونية.

ازاء تلك الذرائع وفي ظلها تكون مهمة المتصدي للفساد بالغة الصعوبة، لا سيما وان المحاصصة الطائفية والاثنية التي تعد من اسس النظام السياسي، توفر جوا مناسبا للفاسدين ولحمايتهم، كما ان طبيعة النظام وسياقاته لا تسمحان بفتح ملفات الفساد.

ورغم كل نظام المحاصصة الصلد الذي صمم لكي يبقي رموز الطائفية والفساد بمنأى عن المحاسبة، متمتعين بامتيازات السلطة وحصاناتها التي تحميهم من الملاحقة القانونية، يمكن ملاحقتهم ان توحدت الارادة الوطنية مع الارادة الشعبية، وتضافرت الجهود وعزمت على التصدي للفاسدين. فرموز الفساد ليسوا قوة خارقة ولا يمكن محاصرتهم قانونيا، وهم في ذات الوقت ليسو اشباحا لا يمكن رؤيتهم، وقد سبقتنا دول وشعوب ونجحت في اقتلاع الفساد من جذوره.

فالفساد وكما عرفته الأمم المتحدة هو: (استغلال السلطة العامة لتحقيق مكاسب خاصة، أو هو تغليب مصلحة صاحب القرار على مصالح الآخرين، فمتى ما تم تقديم المصالح الخاصة لصانعي القرار على مصالح العامة، كان ذلك دليلاً على وجود الفساد السياسي(.

هذا التعريف الذي انتجته الخبرة الدولية في مكافحة الفساد، يمكن ان يشكل لنا منطلقا، لتشخيص رموز الفساد، ومحاصرتهم قضائيا بــ (من اين لك هذا؟) وفتح التحقيق في ملفات الفساد الكبرى، انطلاقا من تتبع الميزانيات السنوية وحساباتها وطرق انفاقها، مرورا بملاحقة نهج بيع وشراء المناصب، بما فيها حالات شراء منصب الوزير. هذا النهج المدمر الذي ادى الى سقوط مدينة الموصل والتداعيات التي انتجها ومنها جرائم سبايكر والصقلاوية، الى جانب ملفات الفساد الكبرى ومن بينها على سبيل المثال، جهاز كشف المتفجرات، وصفقة الاسلحة الروسية، والانفاق على الكهرباء، وعلى المدارس والابنية وطبع المناهج، وبغداد عاصمة الثقافة، وملفات عديدة غيرها.

والتركيز على فتح ملفات الفساد الكبرى، لا يعني غض النظر عن اي شكل من اشكال الفساد الاخرى، ولا التسامح مع اي فاسد كبيراً كان او صغيراً. لكن ما نجده ونشهده اليوم هو فقط ملاحقة بعض صغار الفاسدين، وبالتحديد من تزكم روائح فسادهم الانوف ويصعب التستر عليها، بينما الامر يتطلب تشخيص رموز الفساد وحيتانه ومحاصرتهم قانونيا. فهم من يتحمل المسؤولية الاساسية في ضياع ثروات العراق وتبديدها.

التعليقات معطلة.