كتب/ علي حيدر
كتبت صحيفة “الأخبار” اللبنانية أن رئيس أركان جيش العدو غادي أيزنكوت لم يكشف جديداً عندما أقرّ ضمناً بأن معادلة الردع التي فرضها حزب الله عبر التلويح بالرد المضاد، (وبتعبير أيزنكوت “المحافظة على الهدوء على جانبي الحدود”) هي التي تحول دون أن يوسع الجيش الاسرائيلي دائرة اعتداءاته العسكرية باتجاه لبنان. مع ذلك، من المهم التذكير بأن أيزنكوت لم يكن الاول الذي أقرّ بهذه الحقيقة، فقد سبقه الى ذلك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قبل أكثر من سنة، عندما أعلن تبنّيه لمعادلة “هدوء مقابل هدوء” إزاء لبنان، ومعهما الكثير من الخبراء والقادة العسكريين والسياسيين في تل أبيب.
في المقابل، ما يميّز هذا الإقرار المتجدد على لسان أيزنكوت، أنه يأتي على لسان رأس المؤسسة الاسرائيلية (العسكري وقبلها السياسي)، وكونه بعد مناورة فيلقية استمرت 11 يوماً، هي الاولى منذ 19 عاماً، وفي ظل التهديدات والرسائل التي تطلقها “اسرائيل” في مواجهة الانتصارات التي حققها محور المقاومة في سوريا والمنطقة.
يكشف إقرار ايزنكوت أنهم في القيادة الاسرائيلية يسلِّمون بأن حزب الله يملك الارادة التامة للرد المطلوب على أيّ ضربة عسكرية إسرائيلية، وهو ما قد يؤدي الى تدحرج في الردود المتبادلة. وإلا فلن يكون هناك سبب لتعكير جوّ الهدوء في الداخل الاسرائيلي. ويؤكد ذلك، أيضاً، أن تل أبيب لا توهم نفسها بجدوى الرهان على أي عوامل داخلية أو إقليمية أو دولية يمكن أن تمنع حزب الله من الرد على أي اعتداءات إسرائيلية، تحت عناوين ضرورة ضبط النفس، ومنع التصعيد. وهكذا تحولت هذه المفاهيم الى عامل منبِّه لقيادة العدو كلما كادت تجنح نحو تقدير خاطئ. لكن ذلك لم يتبلور إلا بعد العديد من التجارب التي اختبرت فيها إرادة القرار لدى قيادة حزب الله.
يعبّر موقف ايزنكوت عن إقراره بفشل رسائل التهويل الاسرائيلية في إنتاج الظرف الملائم لتوسيع دائرة الاعتداءات باتجاه لبنان، وعن اقتناع راسخ لدى المؤسسة الاسرائيلية، بات من أهم مرتكزات المعادلة التي تحمي لبنان، ومفاده أنه كما أن لدى لبنان ما يدفعه لتجنّب التدحرج نحو مواجهة واسعة، كذلك لدى الكيان الاسرائيلي ما يدفعه لتجنّب مثل هذا التدحرج.
مع أن ايزنكوت حاول أن يُجمِّل تعابيره، من خلال استخدام مفردات “الحفاظ على الوضع الأمني الهادئ… رفاهية السكان في كلا الجانبين!”، لكنه كشف بذلك عن أن قيادة حزب الله نجحت في معركة كيّ الوعي التي تخوضها مع قيادة العدو السياسية والعسكرية.
صناعة الردع
لم يتبلور الانكباح الاسرائيلي إزاء لبنان، وصولاً الى الإقرار الرسمي به على المستويين العسكري والسياسي، إلا بعد مسار طويل من الخيارات التي هدفت الى تغيير المعادلة مع لبنان، بدءاً من الرهان على تطورات إقليمية وداخلية لبنانية، مروراً بفشل الحرب الاسرائيلية لسحق حزب الله في حرب عام 2006… وصولاً الى فشل الرهان على انتزاع تنازلات إيرانية من خلال الاتفاق النووي، لوقف دعم حزب الله. وفشل جيش العدو أيضاً في استغلال انشغال حزب الله بمواجهة الجماعات المسلحة والارهابية في سوريا، عبر فرض معادلة تسمح له بتوسيع نطاق «المعركة بين الحروب» الى لبنان، (اعتداء جنتا 2014، نموذجاً).
لكن ما يميّز إقرار ايزنكوت في هذه المرحلة، أنه يأتي في ذروة تقدّم محور المقاومة في مواجهة الجماعات المسلحة والارهابية في سوريا. وهكذا يتضح أن التكيّف الاسرائيلي مع المعادلة التي فرضها حزب الله لحماية لبنان لم يتبلور إلا بعد فشل الخيارات البديلة والرهانات التي امتدت على سنوات طويلة من الصراع المباشر وغير المباشر. ومفاعيل هذا الردع تحضر على طاولة القرار في تل أبيب، لدى دراسة الكلفة والجدوى لأي خيار عملاني، ابتدائي أو من موقع الرد.