مقالات

《طرق أعداد الموازنات التخمينية الحكومية في العراق ودورها في تفشي الفساد》

حجي مراد

لقد دأبت الحكومات العراقية المتلاحقة والتي أعتلت سدة الحكم في العراق بعد العام ٢٠٠٣ على أعداد الموازنات التخمينة الحكومية وفق طريقة بدائية وبسيطة ، وهي التي تسمى أصطلاحا عند المتخصصين بموازنة البنود والأبواب ، وهذة الطريقة مبنية على أساس تقدير مبالغ معينة لأبواب وبنود صرف أو أيراد محددة ، وهي طريقة بدائية وبسيطة ولازالت معتمدة لحد الأن في أعداد الموزنات التخمينة الحكومية في العراق ، وهذه الطريقة البدائية والبسيطة المتبعة في أعداد الموازنات التخمينة الحكومية في العراق تعتبر من طرق الجيل الأول لطرق أعداد الموازنات التخمينة الحكومية ، والتي سبق للعراق وأن هجرها منذ نهاية خمسينيات القرن الماضي ، حيث أن العراق في ذلك الحين كان من أوائل الدول في المنطقة التي أعتمدت المشاريع والأهداف كأسلوب حديث في أعداد موازناتها التخمينة الحكومية .

أن أعداد الموازنات التخمينة الحكومية على طريقة البنود والأبواب تمتاز بسهولة الأعداد من قبل الحكومة ، ولكن يعيبها عدة عيوب أهمها الضعف في ضبط الأنفاق الحكومي ورقابته وعدم كفائة أداء الوحدات والنوافذ الحكومية العاملة وتفشي الفساد فيها ، وكذلك يؤدي أعتماد هذة الطريقة في أعداد الموازنات التخمينة الحكومية الى عدم قدرة الحكومة على ضمان تحقيق الأهداف والبرامج التنموية المستهدفة والمنشودة ، وتؤدي كذلك الى عدم توفر الثقة الكافية للمتعاقدين مع الحكومة بقدرتها على ضمان تدفق التمويلات اللازمة لأتمام ما تم التعاقد معها لأجله ، وهذا ما تم ويتم بالفعل مع المتعاقدين مع الحكومة العراقية منذ العام ٢٠١٤ ولحد الأن ، بل وتعدا الوضع ذلك أذ أصبحت رواتب الموظفين في الحكومة العراقية لا تجد التخصيص اللازم لها في الموعد المحدد لذلك .

ومن الجدير بالذكر أن حكومة سلطة الأتلاف المؤقتة في العراق قد عمدت الى أعداد الموازنة التخمينة الحكومية في العراق على أساس البنود والأبواب في العام ٢٠٠٤ بسبب عدم قدرتها في ذلك الحين على أحصاء الدمار الحاصل في مؤسسات الدولة وموجوداتها بسبب الحرب وعدم أنتهاء العمليات العسكرية بشكل تام في ذلك الحين ، وكذلك بسبب عدم أتمام عمليات أعادة الهيكلية الأدارية للدولة وعدم أتمام عملية التحول الأقتصادي فيها .

وفي الحقيقة كان ذلك الأجراء مبرر أعتماده في ذلك الحين وربما كان من الضروري تطبيقه في تلك الفترة الأنتقالية ، ولكن كان يجب أن لا يتجاوز تطبيق ذلك الاجراء السنة المالية الواحدة فقط ، وكان من الواجب أن لا يستمر العمل بهذة الطريقة في أعداد الموازنات التخمينة الحكومية لحد الأن .

مع الأشارة إلى أن أغلب دول العالم المتقدم يتم فيها حالياً أعداد الموازنات التخمينة لحكوماتها على طريقة المشاريع والأهداف . وأغلب تلك المشاريع والأهداف تكون ذات طابع وتوجه تنموي مستدام ضمن الأجل متوسط وربما الأجل الطويل أحياناً ، وكما كان معمول به في العراق سابقاً قبل العام ٢٠٠٣ ، ولكن بأساليب وأدوات أكثر تقدم وأكثر فاعلية وأكثر دقة في الأداء ، الأمر الذي يضمن لتلك الحكومات السهولة والكفائة في ضبط ورقابة الأداء في مؤسساتها كافة ، كما ويُسهّل ذلك على تلك الحكومات عملية مراقبة الأنفاق على مؤسساتها ويوفر لتلك الحكومات أمكانية الدقة في قياس فاعليت ذلك الأنفاق مما يمكنها من تحقيق الأهداف والمخططات المستهدفة والمخطط لها في تلك الموازنات .

أن الموازنات المعدة في الدول المتقدمة والتي يتم أعدادها على أساس المشاريع والأهداف تعمل على ضمان أستقرار وديمومة معدلات التنمية والنمو في أقتصاديات تلك الدول ، وكذلك تضبط الحكومات من خلالها أداء كافة مؤسساتها الأنتاجية والتنموية العاملة وفق مقتضيات المنهج المخطط والمستهدف دون أنحراف ، أذ أن هذا النوع من الموازنات يقف كحاجز منيع في مواجهة سوء أستغلال الموارد والنفقات الحكومية ، وهذا بالتحديد ما يوجب ويحتم على صانع القرار وراسم السياسة المالية في العراق بالتوجه فورا صوب أعداد الموازنات التخمينة في العراق على وفق طريقة المشاريع والأهداف لا وفق طريقة الابواب تحقيقاً للمصلحة الوطنية العامة .