حسن العطار
لم تكن الحروب والنزاعات الاهلية على مدى التاريخ إلا وبالا وكارثة على الانسان، وللحروب والنزاعات الاهلية عواقب خطرة، منها الملموس والمنظور كالقتلى والجرحى والمعوقين، والدمار العمراني والاقتصادي والبيئي. ومنها غير المنظور الذي لا تظهر آثاره إلا بعد توقف الأعمال الحربية، وعواقبه وخيمة على الدولة والمجتمع ويحتاج الى وقت طويل لمعالجته. وفي هذه العجالة سنلقي الضوء باختصارعلى هذه الآثار.
الآثار السياسية
إن الحروب والنزاعات الاهلية لها آثارها السياسية على الدول التي تصاب بها، حيث تعد مشكلة انهيار الدولة من اولى النتائج والآثار المترتبة على هذه الحروب والنزاعات الاهلية. ويقصد بانهيار الدولة تقويض مؤسساتها السياسية والمدنية، وانهيار اجهزتها العسكرية والأمنية بما لا يسمح لها بأداء وظائفها المختلفة، وهناك نمطين أساسيين للانهيار.
النمط الاول: هو الانهيار الشامل للدولة، ويقصد به انهيار السلطة المركزية عندما تؤدي الاطاحة بالنظام الى حدوث حالة من الفوضى الشاملة بما لا يسمح لأي من الجماعات المتنازعة بالسيطرة على الحكم بصورة كاملة، كما هو الوضع في ليبيا حاليا.
النمط الثاني: هو الانهيار الجزئي، ويقصد به ضعف سلطة الحكومة وترهل جهازها البيروقراطي الذي ينجم عنه عجز الدولة عن فرض سيطرتها على جميع اقاليم الدولة، كما هو الوضع الحالي في كل من سوريا واليمن. وقد تؤدي الحروب والنزاعات الأهلية إلى مطالبة بعض الجماعات بالانفصال عن الدولة الأم ومحاولة إنشاء كيان سياسي آخر مستقل، كما حدث في السودان حيث انفصل الجنوب عن الشمال، وكما جرى في العراق في شهر سبتمبر من العام الماضي حين اجرى الأكراد استفتاء – من جانب واحد – حول استقلال إقليم كردستان عن العراق، حيث شارك حوالي 5 ملايين مقترع من الأكراد في الاستفتاء، وان نسبة 92.7% من المشاركين صوتوا بنعم للانفصال، ولكن الاستفتاء أجهض بالقوة لعدم وجود توافق بين الأطراف ذات الصلة، وغياب الدعم والتأييد الدوليين اللازمين. وكما يحدث في حاليا اليمن، حيث يطالب الجنوبيون بالانفصال عن الشمال والرجوع الى الوضع القائم قبل 22 مايو 1990م.
الآثار الاقتصادية
إن الحروب والنزاعات الأهلية لها آثارها الخطيرة من الناحية الاقتصادية على هذه الدول، حيث تؤدي إلى توقف او ضعف حركة التنمية بسبب هروب الاستثمارات الداخلية ومنع تدفق الاستثمارات الأجنبية نظرا لإمكانية تدمير المنشآت الاقتصادية والبنى الأساسية اللازمة لتطوير العمليات الاقتصادية داخل هذه الدول. كما ان اغلب موارد هذه الدول تصرف على الجانب العسكري بدلا من تخصيصها لتعمير ما دمرته الحروب لبناء المدن المدمرة والمؤسسات الصحية والتعليمية المنهارة، كما حدث في العراق وسوف يحدث في كل من سوريا وليبيا واليمن إذا توقفت الحروب والنزاعات. كما تصبح هذه الدول مثقلة بالديون الخارجية، فالجزائر بلغت مديونيتها نتيجة الحرب الأهلية حوالي 25 مليار دولار، أي ما يعادل 80% من عائدات صادراتها النفطية في ذلك الوقت، وكذلك العراق الذي تتراوح مديونيته ما بين 100 الى 120 مليار دولار أي ما يعادل 61% من مجموع إيراداته.
الآثار الإنسانية والاجتماعية
تعد الحروب والنزاعات الداخلية من أبرز الأسباب التي تؤدي إلى انتهاكات الحق في الحياة بشكل كبير لأنها توقع عددا كبيرا من القتلى في صفوف المدنيين الأبرياء. ففي الحرب الأهلية في الجزائر التي اندلعت بين القوات الحكومية والمتطرفين الإسلاميين في بداية التسعينيات من القرن الماضي وأطلق عليها مسمى “العشرية السوداء” استغرقت حوالي عقد من الزمن، وحصدت أكثر من 150ألف قتيل. والحرب الأهلية في السودان التي استغرقت حوالي 21 عاما وانتهت عام 2005م بانفصال الجنوب، حصدت حياة أكثر من مليون ونصف المليون شخص، وتشريد ما يقرب من خمسة ملايينآخرين. وفي الحرب الأمريكية/البريطانية الغاشمة وغير القانونيةعلى العراق عام 2003م، تراوح عدد القتلى ما بين 600 ألف الى مليون من المدنيين والعسكريين اكثرهم من العراقيين.
اما عدد القتلى نتيجة انتفاضات الربيع العربي منذ عام 2011م، فمن الصعب تحديد الأرقام لأن الحروب الاهلية لا زالت قائمة حتىيومنا هذا في كل من سوريا وليبيا واليمن، ولكن التقديرات التي تعلن من وقت الى آخر من بعض منظمات الأمم المتحدة، تقول الآتي: سوريا: حوالي 470 ألف شخص قتلوا حتى فبراير 2016م، إضافة الى حوالي 117 ألف لا يعرف مصيرهم بعد ان اختفوا. اليمن: حوالي 10 آلاف قتيل. ليبيا: 30 ألف قتيل، وحوالي 22 ألف مفقود.
العنف الجنسي ضد المرأة
العنف الجنسي هو أحد أنواع العنف التي تحدث أثناء الحروب والنزاعات الأهلية والذي يستهدف المرأة بصفة خاصة، حيث يستخدم الاغتصاب الجماعي والاعتداء الجنسي من قبل المتحاربين كسلاح استراتيجي لمعاقبة الأفراد وبث الخوف، والقضاء على الخصوم وإذلال الرجال من خلال إرسال رسالة مفادها أنهم غير قادرين على حماية نساءهن. العنف الجنسي تم استخدامه كسلاح في السودان خلال الحرب بين الشمال والجنوب وكذلك في إقليم دارفور. كما ان “داعش” مارسته ضد النساء العراقيات الأيزديات. كما تتعرض النساء الى ما يسمى “العنف في مرحلة ما بعد النزاع”، فمن الشائع أن تبدأ موجة جديدة من العنف المنزلي في أعقاب النزاع، كمحاولة من الرجال للتعامل مع صدمات الحرب التي لم يستطيعوا معالجتها وتجاوزها.
الحروب والنزاعات الاهلية تفرض ضريبتها النفسية والاجتماعية على النساء والشباب والأطفال التي ستكون لها عواقب بعيدة المدى، فالنساء الأرامل سيبقين يعانين مشاكل نفسية واجتماعية وعاطفية لسنوات طويلة، اما الشباب فالكثير منهم سوف تظهر عليهم علامات الأمراض النفسية من عنف واكتئاب وحالات صرع. أما الأطفال الذين شاهد اغلبهم مناظر القتل التي تعرض لها أهلهم واقرباؤهم وجيرانهم، فسوف يعانون مشاكل قلق وكآبة، وسوف يعانون من ضعف التركيز في الفصول الدراسية. المشاكل السياسية والاقتصادية قد تحل بعد سنوات من الاستقرار السياسي، اما المشاكل الاجتماعية والامراض النفسية فستبقى لسنوات طويلة وقد تحتاج الى جيل بأكمله (أي بين 25 الى 30 سنة)، هذا إذا قدر لهذه الدول ان تحظى بالاستقرار السياسي وتبقى موحدة.