أبعاد رسوم ترمب الاقتصادية… ما بين حماية الصناعة المحلية وأداة ضغط للتوازن التجاري

3

استُخدمت وسيلةَ تفاوض لقضايا مختلفة

أحدثت الرسوم الجمركية، التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، نقاشاً واسعاً حول جدواها الاقتصادية، وتأثيرها في الأسواق المحلية والدولية، حيث من الناحية الاقتصادية، تهدف هذه الرسوم إلى تقليل العجز التجاري، وتعزيز الإنتاج المحلي، وتقليل الاعتماد على الواردات، مما يسهم في دعم الشركات الوطنية وزيادة فرص العمل، ومن ناحية أخرى فإن لهذه السياسات آثاراً متباينة، حيث يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع الأسعار للمستهلكين وزيادة تكاليف الإنتاج في القطاعات التي تعتمد على المواد المستوردة.

من جانب آخر، يرى بعض المحللين أن هذه الرسوم لم تكن مجرد أداة لتعزيز الاقتصاد المحلي، بل كانت أيضاً ورقة ضغط تفاوضية تهدف إلى تعديل الميزان التجاري لصالح الولايات المتحدة، وفرض شروط جديدة على الشركاء التجاريين مثل الصين والمكسيك وكندا. وبذلك، تبرز إشكالية رئيسية، عبر تساؤلات: هل تحقق هذه الرسوم فوائد اقتصادية مستدامة؟ أم أنها تؤدي إلى تأثيرات عكسية في بعض القطاعات؟.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن فرض رسوم جمركية جديدة تستهدف دولاً عدة، بهدف تقليل العجز التجاري، وتعزيز الصناعة المحلية، ومعالجة قضايا مثل الهجرة غير الشرعية، وتهريب المخدرات.

وتشمل هذه الرسوم فرض 25 في المائة على الواردات من المكسيك وكندا، و10 في المائة على السلع الصينية، و25 في المائة على الصلب والألمنيوم، بالإضافة إلى رسوم على المنتجات الزراعية المستوردة لدعم المزارعين المحليين. وبينما تهدف هذه الإجراءات إلى تقوية الاقتصاد الأميركي، فإنها قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار وزيادة التوترات التجارية مع الشركاء الدوليين.

دعم الصناعات المحلية… وتعزيز الأمن القومي

وفقاً لأرون ليزلي جون، كبير محللي السوق في «سنشري فاينانشيال» في حديثه لـ«الشرق الأوسط» فإن الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب كانت تهدف إلى دعم الشركات الأميركية التي تواجه منافسة شرسة من المنتجات المستوردة، مما يمنحها فرصة للنمو ويحفّز الاقتصاد المحلي، كما يرى ترمب أن العجز التجاري الأميركي يشكِّل خطراً على الاقتصاد الوطني، حيث يضر بالصناعات المحلية والعمال الأميركيين. بناءً على ذلك، دافع عن مفهوم «التجارة العادلة» بدلاً من «التجارة الحرة».

وبالمثل، تؤكد تشارو تشانانا، رئيسة استراتيجيات الاستثمار في «ساكسو بنك»، أن هذه الرسوم كانت تهدف إلى حماية الصناعات المحلية مثل الصلب والألمنيوم، مما يقلل الاعتماد على الواردات ويعزز التصنيع المحلي، ويؤدي إلى تعزيز الأمن القومي عبر ضمان استقرار سلاسل التوريد في القطاعات الحيوية مثل الدفاع وأشباه الموصلات والطاقة.

بالإضافة إلى تأكيدها إلى أن ذلك من شأنه زيادة الإيرادات الحكومية، حيث يرى بعض الجمهوريين أن الرسوم الجمركية يمكن أن تكون مصدراً لتعويض العائدات الضريبية المفقودة.

التفاوض

وعلى الرغم من الأهداف الاقتصادية الظاهرة، فإن كثيراً من التحليلات تشير إلى أن هذه الرسوم لم تكن مجرد أداة لدعم الصناعة المحلية، بل كانت أيضاً ورقة ضغط تُستخدَم لتحقيق أهداف استراتيجية.

وأوضح أرون ليزلي جون أن الرسوم الجمركية كانت تُستخدم في بعض الأحيان للضغط على الدول في قضايا غير اقتصادية، مثل الهجرة غير الشرعية. فقد استخدم ترمب التهديد بفرض رسوم جمركية على المكسيك لحملها على تشديد سياساتها المتعلقة بالمهاجرين.

في الوقت الذي تشير فيه تشارو تشانانا إلى أن الرسوم الجمركية عملت كأداة تفاوضية في التجارة العالمية، حيث استخدمت الولايات المتحدة هذه السياسة للحصول على تنازلات من الشركاء التجاريين، كما حدث مع الصين والمكسيك وكندا، أو استخدامها إجراءً انتقامياً ضد الممارسات التجارية غير العادلة، مثل الدعم الحكومي غير المشروع أو فرض قيود تجارية غير متكافئة.

إضافة إلى ذلك، ترى رئيسة استراتيجيات الاستثمار في «ساكسو بنك» أنها استُخدمت وسيلةً لكسب تأييد الناخبين الأميركيين، خصوصاً في الولايات الصناعية التي تأثرت سلباً باتفاقات التجارة الحرة السابقة.

 

خشب مكدس على أرفف للبيع يحمل علامة «صنع في الولايات المتحدة» في مدينة لوس أنجليس الأميركية (إ.ب.أ)
خشب مكدس على أرفف للبيع يحمل علامة «صنع في الولايات المتحدة» في مدينة لوس أنجليس الأميركية (إ.ب.أ)

 

التداعيات الاقتصادية

وعلى الرغم من نوايا الرئيس ترمب لحماية الاقتصاد المحلي، فإن تطبيق هذه الرسوم الجمركية كانت له آثار جانبية ملموسة، حيث قال أرون ليزلي جون، إن الرسوم المفروضة على بعض المنتجات، مثل الغسالات، أدت إلى ارتفاع أسعارها بنسبة 34 في المائة، مما زاد من الأعباء على المستهلكين.

وتوقَّع أن تؤدي هذه الرسوم إلى ارتفاع أسعار السيارات الجديدة بمعدل ألف إلى 9 آلاف دولار لكل سيارة، مع إمكانية فقدان أكثر من 165 ألف وظيفة في صناعة السيارات. وزاد: «أثرت الرسوم الجمركية على قطاع الزراعة، حيث أدت إلى ارتفاع أسعار الفواكه والخضراوات واللحوم؛ نتيجة الاعتماد الكبير على الواردات من المكسيك وكندا».

وعلى الرغم من أن هذه الرسوم تهدف إلى تعزيز الصناعة المحلية وخفض العجز التجاري، فإن تداعياتها قد تشمل ارتفاع الأسعار، وفقدان الوظائف، واضطرابات اقتصادية أوسع. وزاد: «من الواضح أن بعض الرسوم الأخيرة التي فرضها ترمب ليست فقط لدعم الاقتصاد، بل تخدم أيضاً وعوده الانتخابية، لا سيما فيما يتعلق بمكافحة الهجرة غير الشرعية، والحد من تدفق الفنتانيل من الصين. وقد اتخذت الإدارة الجديدة قرارات سريعة بهذا الشأن، مما يعكس أن هذه الرسوم قد تكون وسيلةً للضغط أكثر من كونها سياسة اقتصادية خالصة».

اتفاقات أكثر توازناً

وأوضح كبير محللي السوق في «سنشري فاينانشيال»: «ما يجب أن يضعه المستثمرون والأسواق في الاعتبار هو أن كثيراً من الرسوم التي فرضها ترمب سابقاً كانت تستند إلى عدم المعاملة بالمثل من قبل الشركاء التجاريين. لكن هذه المرة، يبدو أن التهديدات الجمركية مرتبطة بمخاوف تتعلق بأمن الحدد، والإمدادات غير المشروعة من المخدرات من دول رئيسية مثل الصين وكندا والمكسيك. وهذا يعني أن المفاوضات المستقبلية بين هذه الدول قد تكون معقدةً للغاية، وقد تُستَخدم هذه الرسوم أداةً تفاوضيةً للوصول إلى اتفاقات أكثر توازناً».

في المقابل تؤكد تشارو تشانانا أن الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب مجرد أداة اقتصادية، بل تُستخدَم أيضاً وسيلةَ ضغط لإعادة تشكيل التجارة العالمية بما يخدم المصالح الأميركية. وقالت: «هي تجمع بين الاعتبارات الاقتصادية المدروسة والاستراتيجيات التفاوضية الهادفة إلى تحقيق مكاسب سياسية وتجارية على الساحة الدولية».

التعليقات معطلة.