(أبو ضحكة جنان) في الإذاعات العراقية

1

زيد الحلي

الازدحام الذي يقطع الانفاس على جسر الجادرية، واعيش محنته يومياً، ذهاباً اثناء توجهي الى عملي، وايابا وانا عائد منه، كان السبب في تناولي لموضوع عمودي هذا الاسبوع … فخلال مدة ساعة ونصف الساعة او اكثر من السير السلحفاتي للحافلات، اضطرُ الى وضع “سماعات ” الاذن لسماع برامج الاذاعات المختلفة، وبعد الاستماع الى اخبار الـ BBC انتقل الى مونت كارلو، ثم ادير مؤشر المذياع الى الاذاعات المحلية وما اكثرها.. .. لا اعتراض على الكم الهائل من الاذاعات التي يفوق عددها، ما موجود في اميركا، لكن الذي اثار (إزعاجي) هو النهج الذي اختارته هذه الاذاعات، باستثناء اذاعة الجهورية العراقية واذاعة الناس والإذاعات الدينية، هذا النهج المتمثل بالضحك الهستيري، المستهجن اثناء فقرات الاتصال مع المواطنين على الهواء .. ضحك عال، وبإيحاءات وألفاظ، لا تليق اجتماعيا وانسانيا، لاسيما مع المواطنين البسطاء من قرى وارياف الوطن اومن مواطنات حبيسات البيوت في بغداد والمحافظات ..

مقدمات ومقدمي برامج الهواء، نسمعهم يضحكون كثيرا عند اي اتصال من المستمعين من أجل إقناعهم بشخصياتهم، فهم يستخدمون الضحك، كما يبدو، جواز مرور من أجل قبول الآخرين لهم .. لكنهم، نسوا ان الضحكات هي التي توضح إن كانت من القلب ام فم ثرثار، فدلالة الضحكة وشكلها هي التي تثبت إن كان صاحبها عنده هموم وشجون أم لا.. صادق ام كاذب .. ممثل ام واقعي.. الخ

واثناء تركيزي، لأيام عدة على برامج الاتصالات على الهواء، لمستُ ان الضحكات العالية تشبه ما قبل فيضان الدموع، أو تخبئ وراءها جبالاً من الهموم، فالذين يضحكون بطريقة مبالغ فيها اجدهم يهربون في الأساس من همومهم وأحزانهم التي تكبلهم.. وآمل ان لا يزعل من يقرأ هذه الانطباعات الشخصية ..!

لقد فات من يقدم البرامج على الهواء، ان الضحك بدون سبب أحيانا يدل على الاكتئاب والاضطراب النفسي ويطلق عليه الضحك المر.. كما أن الضحك “يفضح ما بداخلنا” وهنالك دراسات أجريت على طريقة الضحك وربطها بشخصية الانسان، اكدت ان الذي يضحك على وتيرة واحدة، على اي شيء، غالبا ما يتصف بالنفاق الاجتماعي.. ويشير الى وجود اختلال نفسي، ويعبر عن الأحزان والاكتئاب الذي يمر به ممتهنو الضحك المج، الذين يحاولون إخفاء حالاتهم بالضحك المستمر بتموجات صارخة .. ولا اظن ان هناك من مقدمات ومقدمي البرامج، من يريد ان يتصف بهذه الصفات ..

بسطور قليلة، اهمس في أذان من يعنيهم الامر ..

ان للضحك أسباباً وعوامل ودوافع ومواقف .. فلا تجعلوا المستمع يضحك على ضحكاتكم فقط.. ثم لا تنسوا ان الضحك هو ممارسة عدوانية في جوهرها حيث يحس الضاحك (المقدمة او المقدم) أن المضحوك منه (المستمعة او المستمع) أقل منه شأناً وأقل قيمة وفي ذلك استعلاء وشعور بالتفوق يعوض عن مشاعر النقص.. فالضحك فن. والفكاهة فن. والحكاية الطريفة فن. وهذا الفن ترويح للنفس وراحة للأعصاب. فكل ما يجلب الضحك للنفس يجلب لها الراحة والمتعة. فهل يكفي ان نضحك بصوت عال، حتى يغرق المستمع في الضحك ويحقق لنفسه المتعة والبهجة والقوة والتفاؤل؟.

التعليقات معطلة.