أجيلة المياه الجوفية بين صمود الصبير وذاكرة العطش

2

عادل سعد

•لم يتمَّ الاهتمام النَّشط بالمياه الجوفيَّة إلَّا في عهد قريب، إذ تداعى مهتمُّون بقضايا المياه إلى ضرورة استحداث منصَّة عالَميَّة للعناية بمشاغل هذه الثَّروة الطَّبيعيَّة مُتعدِّدة الاستخدامات بعد أن وجدَ العالَم أمامهُ متوالية من الشّحةِ المائيَّة رغم أنَّ المياهَ تغطِّي ثلاثة أرباع مساحة الكُرَة الأرضيَّة.

لا شكَّ، أنَّها مفارقة، ولكن من الطَّبيعي تجرُّعها حين يكُونُ التَّركيز على الاستخدامات ضِمن أغراض أربعة، الزِّراعي، الصِّناعي، الحيواني، البَشَري.

•لقَدْ تصدَّر الاهتمام بالمياه الجوفيَّة بعد أن تفاقمتْ شحَّة المياه السَّطحيَّة أمطارًا وأنهارًا وبحيراتٍ وأغاديرَ.

وهناك الآن مراجعة قَيْدَ التَّشغيل بشأن الاستخدام الأمثل لهذه الأنواع، من المصادر الطَّبيعيَّة بدافع التَّرشيد المُقنَّن، وإذا كان قَدْ قيل (لا تسرفْ في الماء ولو كنتَ على نهرٍ جارٍ) يظلُّ ترشيد المياه الجوفيَّة واحدًا من المهِمَّات التَّنمويَّة الَّتي ينبغي أن تكُونَ مرافقًا لكُلِّ الأحوال.

•إنَّ المياه الجوفيَّة قابلة للنُّضوب شأنها شأن الوقود الأحفوري، ومع تذبذب الانتباه إلى هذا التَّشخيص، يظلُّ مقياس التَّرشيد مفتاح الشُّروط الَّتي ينبغي التوقُّف عِندَها توظيفًا للاستثمار التَّنموي المتوازن، أمَّا السُّؤال الجوهري هنا: كيف يكُونُ ذلك بعيدًا عن التَّقتير؟

•إنَّ الممرَّ الضَّامن لهذا التَّوَجُّه اعتماد موازنة تأخذ بِعَيْنِ القياس معادلةً استهلاكيَّة تربط بَيْنَ كُلِّ الاحتمالاتِ المتعلِّقة بالدَّوْرات الزراعيَّة والاستهلاكات الأخرى.

•القياس يستدعي أيضًا الانتظام في تشريعات تُراعي جميع متطلَّبات الإدامة الموضَّبة على أساس الحاضر والمستقبل المنظور.

•لقَدْ فقدَتِ العديد من البيئات الزِّراعيَّة الَّتي تُغذِّيها المياه الجوفيَّة فرص الاستدامة وتحوَّلتْ إلى مجرَّد أطلال، وهناك شواهد مِنْها الآن في مصر وتونس والجزائر وليبيا والسُّودان والعراق والجزيرة العربيَّة وبُلدان عربيَّة أخرى، وقَدْ وثَّقتْ منظَّمة الأغذية والزِّراعة (الفاو) وقائع من هذا النَّوع في إفريقيا وآسيا، وهناك ربط بَيْنَ هذه الظَّاهرة وتفاقم الهجرة والنُّزوح.

•إنَّ أجيلة استثمار المياه الجوفيَّة باتَتِ الآن واحدةً من التَّوَجُّهات المعتمدة من أجْلِ التَّكيُّف مع المتغيِّرات البيئيَّة المتسارعة، بل حذَّر خبراء من حروبٍ قَدْ تندلعُ نتيجة إهمال ذلك.

•إنَّ ظواهر ترتسم الآن في عدَّة أقاليم تُحرِّكها خصومات وصراعات تحت ضغط الحاجة للمياه الجوفيَّة، ووفق مندوبِين بيئيِّين لدَى الأُمم المُتَّحدة، هناك حَثٌّ مِنْهم على أهميَّة إعادة النَّظر الاستثماري ضِمن هذه الجزئيَّة من الاستخدام •التَّوَسُّع في اعتماد السَّقي بالرَّش والتَّنقيط •اللُّجوء إلى زراعة نباتات لا تحتاج إلى المزيد من مياه السَّقي • تغطية سطوح الآبار والمساحات المائيَّة الخاصَّة بالواحات للحدِّ من عمليَّات التَّبخُّر • الاستعانة بوسائل الاستمطار الصِّناعي.

•بخلاصة تحليليَّة، أرَى أنَّ هذا الموضوع بحاجة الآن إلى رؤية قوميَّة شاملة على صعيد الوطن العربي للظُّروف البيئيَّة المتشابهة والمتكاملة، إذ هناك مدٌّ جوفي مائي متَّصل على امتداد الجغرافيا العربيَّة.

•حساب المنطق والأولويَّات أنَّ جامعة الدوَل العربيَّة هي الَّتي ينبغي أن تنتبهَ إلى ذلك تخصُّصًا لبعض وكالاتها ومؤسَّساتها المعنيَّة بالشَّأن التَّنموي، وفي هذا السِّياق، ماذا يمنع أن يصارَ إلى عَقدِ مؤتمر عربي شامل عن هذا الموضوع يشارك فيه خبراء عرب والتَّنسيق في ذلك مع وكالات مُتخصِّصة عالَميَّة من أجْلِ الوصول إلى آليَّات تصون هذا المصدر المائي. وإذا كان نبات الصبَّار يتصدر قائمة الكائنات الحيَّة المترفّعة عن المطالبة بالمزيد من المياه، تظلُّ حاجة الإنسان إِلَيْها مفتاح كُلِّ حاجات العيش والنَّماء، بل والتَّطلُّع إلى الوفرة والرَّخاء.

عادل سعد

كاتب عراقي

abuthara@yahoo.com

التعليقات معطلة.