المصدر: النهار العربي برلين – شادي عاكوم
أردوغان وشولز في لقاء سابق.
A+A-تكتسب الزيارة المقرّرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم غد الجمعة المقبل، إلى برلين، حيث سيلتقي المستشار الألماني أولاف شولتس، أهمية خاصة، بعدما أعلنت دول الغرب وبينها ألمانيا، تأييدها لتل أبيب في حربها ضدّ “حماس” التي شنّتها بعد عملية “طوفان الأقصى”، وذلك على الرغم من كل جرائم الحرب الإسرائيلية المرتكبة بحق المدنيين. وفي وقت يتشدّد أردوغان في مواقفه ضدّ إسرائيل معتبراً أنّ الغرب يراقب من المدرجات، وواصفاً حركة “حماس” المصنّفة إرهابية في أوروبا، بأنها مجموعة من المناضلين من أجل الحرّية. لم يُفهم حتى الآن كيف لم تنتقد المستشارية الألمانية كلماته التي تمتدح “حماس”، وأن تواجه أردوغان في زيارة أقل ما يُقال فيها إنّها صعبة وحسّاسة. والسؤال هنا ما هي الاعتبارات التي تحتّم على برلين ممارسة ضبط النفس مع أنقرة الدولة الشريكة في حلف الناتو؟ شريك يصعب الاستغناء عنهرغم اتهام أردوغان الدول الغربية بالنفاق حول ما يجري في غزة، ووصفه أداء وتصرّفات الدولة العبرية بأنّها تشكّل جرائم ضدّ الإنسانية، اعتبر محلّلون أنّ هناك صعوبة في الجلوس في الوقت الحالي مع شخصيات مثل أردوغان، الذي يلعب دوراً محورياً في العديد من المجالات ذات الصلة، وهو الذي قطع علاقاته ببنيامين نتنياهو ويثير الكراهية ضدّ اليهود في العالمين العربي والإسلامي. لكن وبحكم أنّ العلاقات العالمية أصبحت أكثر إرباكاً والتحالفات القديمة تتفكّك، حيث تتعرّض الديموقراطيات الغربية لضغوط، فإنّ ألمانيا مضطرة للعمل مع حكّام صعبين مثل أردوغان. وفي ظلّ هذه الأجواء، يتعيّن على ألمانيا وعلى نحو متزايد، التواجد في المنطقة الرمادية لاعتبارات عدة، أهمها أنّ برلين كانت تعتمد وبشكل شبه كلّي على مشتقات الطاقة الروسية، ولكن بعد حرب أوكرانيا اضطرت لاستجرار الغاز من دول حول العالم، ومن بينها دول الخليج العربي، ولو لم يكن هناك اندماج اقتصادي مع الصين لما كان يتطلّب الأمر مراعاة بعض من الخصوصية في العلاقة مع بكين التي تتناغم في مواقفها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأعلنت نائبة المتحدث باسم الحكومة الإتحادية الألمانية كريستيان هوفمان، أنّه من المقرّر أن تكون هناك مأدبة عشاء مشترك تجمع المستشار شولتس والرئيس أردوغان في مقرّ المستشارية، مشيرة إلى أنّ المحادثات ستشمل مجموعة كاملة من القضايا السياسية. وقبل اللقاء مع شولتس سيستقبل الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير الرئيس أردوغان. من جهة ثانية، أظهرت قراءات سياسية أنّ الغرب متوتر من توجّه أردوغان لإقامة تحالف مع إيران، واستخدام الحرب في غزة لتعزيز طموحاته ضمن تحالف إسلامي أوسع، إذ يساور الغرب قلق بعد أن أضحى المسار التركي غير واضح تماماً بالنسبة لشركاء الناتو. وفي سياق متصل، يُنقل عن مصادر دبلوماسية أوروبية، أنّ البعض يرى في مواقف أردوغان أنّه يريد أن يكون وسيطاً في الصراع، ومن ثم يتخذ نبرة مثيرة للقلق ومعادية لإسرائيل، ومن أنّ لا أحد ينوي مواجهة الجانب التركي بالانتقادات بسبب تصريحات أردوغان المناهضة لإسرائيل والمعادية للغرب. وإضافة إلى ذلك، برزت تعليقات تفيد أنّ الرئيس أردوغان لديه علاقات جيدة مع “حماس”، وقد يلعب دوراً تفاوضياً لإطلاق سراح الرهائن المدنيين ومن بينهم الألمان. مع العلم، أنّ الحركة أفادت بأنّها لا تستطيع أن تقرّر مصير الجميع، لأنّ أعداداً منهم موجودون لدى جماعات أخرى غيرها. ومع اعتبار البعض أنّ ألمانيا أمام معضلة أردوغان، بيّنت وكالة الأنباء الألمانية، أنّ ألمانيا وحلف شمال الأطلسي والإتحاد الأوروبي بحاجة إلى تركيا التي تلعب دوراً مهمّاً في العالم الإسلامي، ومركزياً في التحكّم بالمهاجرين إلى أوروبا، والوضع حالياً أكثر إلحاحا من أي وقت مضى، مع تزايد أعداد المهاجرين إلى أوروبا في العام 2023. تفيد المعلومات أنّ المحادثات بين المستشار أولاف شولز وأردوغان، ومن بين أمور أخرى، ستناقش استمرار التمويل للإتفاقية بين الإتحاد الأوروبي وتركيا بشأن إيواء اللاجئين في تركيا، إضافة إلى المسائل التي تهمّ ألمانيا وتركيا كحليفين في الناتو، بخاصة أنّ تركيا تؤمّن الجناح الجنوبي الشرقي بحدودها مع سوريا والعراق. تُعتبر تركيا أيضاً شريكاً اقتصادياً مهمّاً للحكومة الألمانية، حيث يعيش في ألمانيا حوالى ثلاثة ملايين شخص من أصل تركي، والعلاقات جد وثيقة بين البلدين، ويشكّل المصطافون الألمان ثاني أكبر مجموعة من السياح في تركيا بعد الروس. تحذيرات من التساهل مع أردوغانوعلى وقع تصريحات أردوغان التي تحمّل الحكومات الغربية المسؤولية عن الصراع المستمر في غزة، برزت مواقف فردية تحذّر من التساهل أكثر من اللازم معه، فقد قال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البوندستاغ والمنتمي للحزب الاشتراكي الديموقراطي ميشائيل روث في حديث مع صحيفة “تاغش شبيغل” أخيراً، إنّ التجربة تُظهر أنّ الصبر والمصالحة من غير المرجح أن ينجحا عند التعامل مع حاكم مثل أردوغان، بعدما قام أخيراً بصبّ الزيت على نار صراع خطير للغاية بخطاب ضدّ إسرائيل، وتقليله من أفعال “حماس”. ولهذا السبب يجب أن يكون هناك القليل من التزلّف والكثير من اللغة الواضحة”، وموضحاً أنّه عندما يكون هناك شك في المعاملة يُفضّل إعلاء شأن المصالح الوطنية. لكنه استدرك حين قال إنّه من الجيد أن تظلّ الحكومة الفدرالية على اتصال وثيق مع الدول الصعبة مثل تركيا، كجزء من دبلوماسية الأزمة، ومعتبراً في حديثه أنّ تركيا دولة محورية في كل الصراعات الكبرى القائمة من أوكرانيا إلى دول الشرق الأوسط وفي النزاع بين أرمينيا واذربيجان. أما النائب في البرلمان الأوروبي عن حزب الخضر سيرغي لاغودينسكي، فطالب المستشار شولز بالتحدث بوضوح إلى أردوغان، وبأن يبذل مع رؤساء الحكومات الأوروبية الآخرين، كل ما في وسعهم لكي يوقف الرئيس التركي دعايته المعادية للسامية وإسرائيل.