المصدر: النهار العربي
أسعد عبود
ساهم اللقاء بين الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والتركي رجب طيب أردوغان في تعزيز التفاهم بين القاهرة وأنقرة، وفتح الباب واسعاً أمام قيام مناخات إقليمية إيجابية، وذلك بالتوازي مع استكمال التطبيع بين السعودية وإيران الذي شهد زخماً في الأيام الأخيرة . إشارة مهمة وردت على لسان أردوغان، عندما قال إن تطبيع العلاقات المصرية-التركية سينعكس إيجاباً على المشكلات الإقليمية، وخصوصاً الأزمة السورية.
وكأنه أراد القول بطريقة غير مباشرة إن جزءاً كبيراً من هذه الأزمة كان نتيجة التوترات الإقليمية. وليست سوريا وحدها من تأثرت بتضارب مصالح القوى في المنطقة. هناك ليبيا التي يمكن أن تشهد تطورات إيجابية إذا اتفقت مصر وتركيا على الدفع بالجهود السياسية وصولاً إلى تسوية طال انتظارها. إن تفاهماً مصرياً-تركياً يمكن أن يكون أجدى من أي مبادرة دولية أو أممية.
بدا أردوغان وكأنه يستدعي دوراً مصرياً أكبر لسبر أغوار البحث عن حلول للأزمة السورية التي باتت عبئاً على تركيا واقتصادها، بينما الحل يفترض تغييراً في المقاربات التي سادت لأكثر من عقد . من مصلحة مصر وتركيا خفض التصعيد في أزمات المنطقة، تمهيداً للبحث عن حلول. ولا ضرورة للاتكاء دائماً على القوى الكبرى للبحث عن التسويات. يمكن للاختراقات الإقليمية أن تساهم أكثر في نزع فتائل التوترات أكثر مما تفعله القوى الكبرى، التي تعودت على إدارة الأزمات عموماً بدل البحث عن حلول.
ومصر وتركيا، قوتان إقليميتان تملكان من الوزن السياسي ما يمكن أن يجعلهما لاعبين مؤثرين جداً في أزمتي سوريا وليبيا. وكذا السعودية وإيران، قوتان إقليميتان تملكان تأثيراً سياسياً كبيراً، يمكن أن يساهم في البحث عن حلول مستدامة لليمن وليس عن وقف لإطلاق النار فحسب.
إن مفتاح الحلول لأزمات كثيرة في المنطقة، يكمن في تعاون الدول في ما بينها. وبقاء النزاعات مفتوحة في سوريا واليمن وليبيا، سيقلل من فوائد المصالحات الإقليمية الجارية، وتالياً تبقى مساراتها منقوصة، إن لم تأخذ في الاعتبار صياغة واقع سياسي جديد. الخلل الذي أصاب العلاقات المصرية-التركية منذ 2013، ارتد سلباً على مصر وتركيا على حد سواء. ماذا جنى البلدان من القطيعة؟ يكاد يكون لا شيء. بل على العكس، انعكست القطيعة حرباً بالوكالة في ليبيا.
والقطيعة بين السعودية وإيران، أجّجت حرباً بالوكالة في اليمن وفي سوريا وفي العراق . في المقابل، إن التأسيس لعلاقات جيدة بين القوى الإقليمية الكبرى، يبعث الأمل بإمكان انتفاء الحاجة إلى نشوء ساحات لتبادل الرسائل والضغوط. عند الحديث عن المصالحات الإقليمية، لا يعني ذلك الالتفات إلى تسوية الحالات السياسية الشاذة، لكن جوهر القضية هو الذهاب إلى التعاون الاقتصادي الذي يعتبر اليوم مقياس النجاح للعلاقات الثنائية بين الدول. إن تعاوناً اقتصادياً بين تركيا ومصر، من شأنه ترسيخ الإيجابيات السياسية وهو الذي يحصنها. وكما تصبو الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين والهند والاتحاد الأوروبي وروسيا إلى إقامة شراكات اقتصادية مع دول العالم، فحري بالدول الإقليمية أن تذهب نحو هذا النوع من الشراكات.
ومهما قيل عن فتح صفحات جديدة في العلاقات بين الدول، لن يأخذ هذا المعنى مداه ولن يبلغ غايته، من دون البعد الاقتصادي القائم على المنافع المتبادلة.إن زخم المصالحات الجارية يوفر فرصة للمنطقة، في ذروة الانشغال العالمي بالحرب الأوكرانية والحرب الباردة الجديدة بين الولايات المتحدة والصين.ومع الصفحة الجديدة في العلاقات السعودية-الإيرانية والمصرية- التركية، وهما مساران يمضيان بالتوازي، تكون اللبنة الأولى قد وضعت في أساسات شرق أوسط مختلف عن ذاك الذي ساد في السنوات العشر الأخيرة. اليوم تترسخ العلاقات السياسية التي هي مقدمة لتهدئة بؤر التوتر، ومن ثم البحث عن التسويات التي تلائمها.