قبيل الانتخابات الرئاسية الأحد، أرغم الرئيس التركي المنتهية ولايته غريمه على تغيير مساره لمحاولة سد الفارق بينهما في الجولة الأولى، وهذا ما منحه سيطرة أكبر على سردية الانتخابات
بورزو درغاهي مراسل مختص في الشؤون الدولية
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يخاطب مناصريه في إسطنبول (أوميت بكتاش/رويترز)
يرجح أن يحظى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالانتخابات التي أرادها [سعى إليها]: سباق مشحون يثير حماسة مناصريه [يرص صفوفهم] ويتخلف فيه خصومه المحليون- في وقت يلتزم الشفافية والحرية [نزاهة الانتخابات] بما يكفي لضمان موافقة زعماء الغرب، ولو على مضض، عليه، إذ كانوا يتمنون رحيله عن الحكم.
وفيما يتجه أردوغان، 69 سنة، إلى الجولة الثانية الحاسمة من الانتخابات الرئاسية هذا الأحد، في مواجهة كمال كليتشدار أوغلو- الذي يترأس تحالفاً يضم ستة أحزاب معارضة- تشير كل المؤشرات إلى أنه سيرسخ حكمه للأمة التركية، عديدها 85 مليون نسمة، لخمسة أعوام أخرى.
يواجه الرئيس منذ أشهر حالة غضب إزاء الوضع الاقتصادي في البلاد- الذي يتردى منذ سنوات- وبطء استجابة حكومته للزلازل المدمرة التي ذهب ضحيتها 50 ألف شخص في فبراير (شباط)، لكنه نجح في استخدام نفوذه الكبير على مؤسسات الدولة وقنوات [وسائل] الإعلام لتشكيل ساحة المعركة الانتخابية وكسب 49.5 في المئة من الأصوات في الجولة الأولى- متخلفاً بفارق 0.5 في المئة أو ما يعادل 155 ألف صوت عن إحراز نصر حاسم- مقابل 44.9 في المئة لكليتشدار أوغلو.
وخلال الأسبوعين الفاصلين بين الجولتين، ركز أردوغان في حملته أكثر على مجال الهوية القومية والأمن، وهو مضمار يناسب [طينة] الرئيس – لأنه يحب أن يعكس صورة الرجل القوي- أكثر من التصدي للتضخم أو [ارتفاع] سعر البصل، النقطة التي يركز عليها كليتشدار أوغلو بشكل خاص، كما أرغمت هذه الفترة غريمه على تغيير استراتيجيته واتخاذ موقف أكثر صرامة من قضية الهجرة، حيث أيد موقف شخصية قومية متطرفة في سعيه لكسب مزيد من الأصوات.
خلال زيارة له إلى إسطنبول هذا الأسبوع، قال أستاذ التاريخ المتخصص في الشأن التركي في جامعة سانت لورانس الأميركية هاورد أيسينشتات “أشعر بالانزعاج الشديد من الأشخاص الذين يعتقدون أن الانتخابات كان ممكن أن تكون تنافسية. أردوغان يريد انتخابات لكنه لا يريد أن ينافس أشخاصاً يمكنهم أن يفوزوا فيها فعلياً”.
وأضاف الباحث، في إشارة إلى المجمع الرئاسي الضخم في أنقرة الذي شيدته تركيا في عام 2014 “لم يبن أردوغان قصراً من ألف غرفة لكي يخرج [يخسر السلطة] في انتخابات”.
أردوغان وحلفاؤه قادرون على السيطرة على وسائل البث الرسمية وكل الوسائل الإعلامية المطبوعة تقريباً، مما يضر بحظوظ [يقوض حظوظها] المعارضة بشكل كبير منذ بداية الحملة. وفي الأيام الأخيرة، حصل على تأييد مرشح ثالث هو القومي اليميني المتطرف سنان أوغان، الذي أحرز خمسة في المئة من الأصوات في الجولة الأولى، فيما حصلت حملة كليتشدار أوغلو المتعثرة الأربعاء [الماضي] على دعم القومي المتطرف أوميت أوزداغ، زعيم حزب النصر وشريك السيد أوغان السابق.
أمل مناصرو المعارضة في أن يخفف أوزداغ من أثر تأييد أوغان لأردوغان، لكن قد لا يؤدي دعمه في النهاية إلى رفع المعنويات المتردية بين أنصار المعارضة. فإحراز كليتشدار أوغلو 45 في المئة فقط في الجولة الأولى كان مخيباً للآمال، لأن النسبة أقل مما توقعت استطلاعات الرأي، وتعادل تقريباً النسبة الإجمالية التي أحرزتها أحزاب المعارضة في انتخابات 2018.
أطلق كليتشدار أوغلو المثقف البالغ من العمر 74 سنة، وزعيم حزب الشعب الجمهوري حملة إيجابية، وإن كانت فاترة بعض الشيء، قبل الجولة الأولى، لكنه غير مساره فجأة منذ ذلك الوقت، فحصر تركيزه تقريباً بقضية الهجرة واللاجئين.
عبر كثير من أنصار المعارضة هذا الأسبوع عن تأففهم واحتمال ملازمتهم المنزل الأحد، فيما قد يؤدي السعي الحثيث إلى ضمان دعم شخصيات تعتبر يمينية متطرفة إلى نفور الناخبين الأكراد وذوي الميول اليسارية. وفي هذه الأثناء، يزعم بأن عدداً قياسياً من الأتراك المؤيدين لأردوغان في الخارج يدلون بأصواتهم فيما استمرت المسيرات المؤيدة لأردوغان باستقطاب آلاف الأشخاص.
ومع ذلك، قد يلاحق ظل الأسبوعين الأخيرين من الحملة الانتخابية تركيا [ويخيم عليها]. فبدل مناقشة الحاجات الملحة لمن يعانون التضخم الهائل والأجور التي لم تجار أبداً ارتفاع الكلفة المعيشية، اختار الساسة الأتراك أن يتحدثوا عن طرد المهاجرين واللاجئين بعدوانية.
فكل من أوغان وأوزداغ، الزعيمان القوميان المتطرفان اللذان تتودد إليهما المعارضة كما الحكومة، قد وضعا التركيز الأساسي في خطابهما على ترحيل الأربعة ملايين سوري تقريباً واللاجئين الآخرين الذين يحتمون بالبلاد، وقمع الحقوق الثقافية للأقلية الكردية المعتبرة في تركيا. وهيمنت القضيتان على الأيام الأخيرة للحملة الانتخابية، فهمشتا معظم القضايا الأخرى.
تاريخياً، لم يكن تحميل الأقليات الضعيفة مسؤولية مشكلات البلاد أمراً يبشر بالخير في ما يخص التطور الديمقراطي لأي بلد. في البداية، تعهد كليتشدار أوغلو بإبعاد تركيا عن هذا النوع من السياسات السامة، لكن حملته وضعت لافتات ضخمة عليها صورة لوجه المرشح وعبارة “السوريون سيرحلون”.
وواصل أردوغان اتهام منافسيه زوراً بأنهم خاضعون لسيطرة حزب “العمال الكردستاني” المحظور. وتعد هذه المجموعة الانفصالية منظمة إرهابية في أنقرة وواشنطن والاتحاد الأوروبي. وقد قال أردوغان في خطاب له إن كليتشدار أوغلو “مني بـ15 هزيمة في الانتخابات وهو يستعد لهزيمة جديدة”.
اصطدمت الحملتان الانتخابيتان مرات عدة- إحداها الأربعاء- على خلفية بث فيديو مزيف وكاذب خلال فعاليات حملة أردوغان يظهر مشاركة السيد كليتشدار أوغلو في إحدى فعاليات حزب العمل الكردستاني. هاجم السيد كليتشدار أوغلو الفيديو معتبراً أنه [من قبيل] “قدح وذم”، فيما قلل أنصار السيد أردوغان من أهمية الفيديو واعتبروه “صورة مركبة” تعبيرية [توليف صور].
ويقول المحلل أيسينشتات “هل يطرح أي موضوع مهم للنقاش؟ الجواب هو كلا”، وهذا وضع يناسب أردوغان. “القضية التي كان من الواجب مناقشتها هي الاقتصاد”.
© The Independent