حوادث السير هي مشكلة اجتماعية تتعدّد وتتنوّع أشكالها في معظم بلدان العالم، تُزهِق أرواحاً وتؤدي إلى فقدان حياة أو إلى إصابات غير مميتة، علماً أن كثيراً منها يؤدي إلى عجز أو إعاقة.
نحو 1.19 مليون شخص يتعرّضون لحوادث سير تؤدّي إلى الوفاة سنوياً. كما يتعرّض بين 200 و50 مليون شخص تصل إصاباتهم إلى الإعاقة الجسدية أو الدماغية. هذا ما تشير إليه منظمة الصحة العالمية (WHO)، كما تشير إلى وفاة ما يزيد على مليون ومائتي ألف شخص في العالم من جّراء حوادث السير، بالإضافة إلى ما يزيد على 50 مليون شخص في العام الواحد. وتؤكّد المؤشرات والدراسات العلمية أنّ تزايد حوادث السير في العالم العربي بشكل كبير قد يزيد على 10 في المائة سنوياً، وفقاً لتقديرات «يازا إنترناشيونال» في بداية السبعينات في القرن الماضي. هذا، وقد وصلت حوادث السير إلى أرقام قياسية؛ ما دفع الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى إصدار قرار في عام 1974 دعا جميع دول العالم للمواجهة والتصدي لمعضلة حوادث السير. لاقى هذا القرار ترحيباً واستجابةً من قِبل معظم الدول المتطورة، لكنه في المقابل لم يلقَ إلا الإهمال وغض النظر من قِبل الدول النامية التي كانت ولا تزال تتخبّط بمشاكل الفقر والفساد والفوضى الإدارية.
أُصيب 54 مليون شخص في جميع أنحاء العالم بجروح من الحوادث المرورية في عام 2013 التي أودت بحياة 104 ملايين حالة. انخفض عدد الوفيات في عام 1990، فأصبح 1.1 مليون حالة وفاة، ونحو 68.000 من هذه الحوادث أصابت أطفالاً دون الخامسة. وهكذا، فإنه بناءً على تقارير منظمة الصحة العالمية؛ تُصنَّف حوادث الطرقات ضمن أهم قائمة أسباب الوفيات حول العالم.
تنخفض معدلات الوفيات في أكثر البلدان ذات الدخل المرتفع، بينما غالبية البلدان ذات الدخل المنخفض لديها وفيات متزايدة. أما البلدان ذات الدخل المتوسط فلديها أعلى معدّل وفيات مع 20 حالة وفاة لكل 100 ألف شخص، وهو ما يمثّل 80 في المائة من جميع وفيات الطرق.
عوامل كثيرة رئيسية ومختلفة تقف وراء أسباب حوادث السير، منها بشرية؛ (القيادة المتهورة أو المشتتة)، وغيرها من العوامل التي تؤثر على وضعية السائق ونفسيته أثناء قيادته السيارة. كما أن أعطال المركبات وعدم الصيانة الميكانيكية، وبخاصة صيانة الفرامل التي لها التأثير الكبير على صلاحية المركبة لتكون في عِداد الصالحة للسير. أضف إلى ذلك العوامل البيئية التي تشمل سوء الأحوال الجوية (الضباب والثلوج والأمطار)، وعيوب تصميم الطرق من مطبّات وحُفر وحواجز، وكثافة الحركة المرورية…
في هذا السياق، تشكّل حوادث السير عبئاً ثقيلاً وكبيراً على كاهل الاقتصاد، وتؤثر بشكل مباشر على النمو الاقتصادي من خلال تكاليف الرعاية الصحية وفقدان إنتاجية العمالة وإصلاح الأضرار المادية. كما تُعدّ الإصابات والوفيات الناجمة عن حوادث السير مشكلة تعيق التنمية، وتشكّل عبئاً ثقيلاً على الأُسَر والمجتمعات من الناحيتين المادية والنفسية، وبخاصة على الحكومات في البلدان النامية التي تحمل العبء الأكبر من هذه الخسائر، ناهيك عن الخسائر المباشرة التي تتعلق بتكاليف الرعاية الصحية والبنية التحتية، وإصلاح المركبات وغيرها، والخسائر غير المباشرة التي تتمثل في عدم إنتاجية العاملين المتوفين أو المصابين، وتكاليف الرعاية الطويلة الأمد. أضف إلى ذلك التأثير السلبي على الاستثمار والسياحة واستنزاف الموارد.
في لمحة موجزة عن أعداد الوفيات والإصابات من جّراء حوادث المرور، ندرك مدى هول الأرقام الصادمة التي سُجلت خلال عام 2024 بـ10 أكبر دول العالم في حوادث السير، تتصدّر القائمة الولايات المتحدة الأميركية في المرتبة الأولى وبلجيكا في المرتبة الأخيرة. سنسردها حسب الترتيب التسلسلي: الولايات المتحدة الأميركية في المرتبة الأولى، واليابان، وتركيا، وإيطاليا، والمملكة المتحدة، وكندا، وإسبانيا، وفرنسا وبلجيكا.
أما في العالم العربي، ووفقاً للمفوضية الأوروبية، فقد انخفض عدد الوفيات بنسبة 10.3 عام 2024 مقارنة بعام 2023، أي ما يعادل انخفاضاً بقدر 600 حالة ليصل إلى نحو 40 لكل 100 ألف شخص بناءً للمفوضية الأوروبية، بينما تصدّرت ليبيا قائمة الوفيات والإصابات في العالم العربي لتصبح ثاني أعلى معدّل بنسبة 34 لكل 100 ألف شخص، وشهدت الجزائر زيادة في الوفيات عن العام السابق، وسجّلت الإمارات 384 حالة وفاة في عام 2024، وفي المملكة العربية السعودية انخفضت وفيات حوادث الطرق بنسبة 50 في المائة، والعراق سجّل انخفاضاً عن عام 2023، كما سجّل الأردن ارتفاعاً في أعداد الحوادث والوفيات والإصابات، لكن في لبنان تراجعت حوادث السير وزادت أعداد الضحايا لتصبح أكثر دموية.
إن حوادث السير هي مشكلة متفاقمة والإنسان هو المسبّب الأكبر لها، وتتطلّب حلولاً عاجلة من قِبل الدول والحكومات: فهي لا تتسبّب بإصابات جسدية فحسب، بل أيضاً يمكن أن يكون لها تأثير عميق على الصحة العقلية والعاطفية للمتضررين يمكن أن يظهر من خلال قلق أو كوابيس أو تجنّب المجتمع، وقد يؤدي إلى فكرة الانتحار أحياناً.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.