المصدر: النهار العربي رستم محمود
لقاء سابق بين مسرور بارزاني وقوباد طالباني. (أرشيف)
يبدو المشهد السياسي داخل إقليم كردستان العراق في أشد حالاته تشنجاً، بسبب تراكم الأزمات وزيادة الهوة بين الأحزاب السياسية الرئيسية في الإقليم. فبعد عدم الاتفاق على موعد محدد لإجراء الانتخابات البرلمانية في الإقليم، حتى بعد انتهاء المدة الدستورية للبرلمان الحالي، بسبب عدم الاتفاق على قانون الانتخابات، لم تتمكن الأحزاب الكردية من المبادرة والمشاركة في “المواجهة” السياسية بشأن إقرار الموازنة الاتحادية التي شهدت خلافاً سياسياً كردياً-كردياً. إضافة إلى ذلك، ثمة خلاف حكومي داخلي في إقليم كردستان يتركز على الملف الاقتصادي، وباقي تفاصيل إدارة الحياة العامة في الإقليم. ضغوط لعودة الحوارإزاء ذلك، صار العديد من الشخصيات والقوى السياسية في الإقليم يدعون إلى عودة الأحزاب الكردية إلى طاولة الحوار المشترك، لمنع تقويض مكتسبات الإقليم. وكان زعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني والرئيس الأسبق للإقليم مسعود بارزاني أول المحذرين من إمكان حدوث ذلك والمبادرين إلى منصة حوار سياسية كردية لتجاوز الوضع الراهن. أولى الخطوات تمثلت بزيارة رئيس ديوان رئاسة الإقليم فوزي حريري للمفوضية العراقية المستقلة للانتخابات، ولقائه رئيس مجلس المفوضين عمر أحمد محمد، بغية بحث تنظيم المفوضية للانتخابات البرلمانية في الإقليم لـ”استعادة الشرعية”، بعدما حكمت المحكمة الاتحادية العليا بعدم “شرعية” تمديد برلمان إقليم كردستان لنفسه، وتالياً تحول الحكومة في الإقليم إلى حكومة تصريف أعمال، وفقدانها الكثير من صلاحياتها. المعضلة في تجميد البرلمان الحالي هي فقدان الحزبين الرئيسيين منصة أساسية يحصل عبرها التوازن السياسي في ما بينهما، كما أن فقدان البرلمان شرعيته ألغى إمكان إقرار قانون جديد للانتخابات، مثلما كان يطالب حزب الاتحاد الوطني، وتالياً إمكان تنظيم الانتخابات عبر القانون الحالي، وهو ما يرفضه الاتحاد تماماً، ما يفتح الباب أمام أزمة سياسية طويلة، قد تؤثر على الاستقرار، خصوصاً بعد إقرار قانون الموازنة الجديد، الذي يفتح الباب أمام إمكان تعامل الحكومة المركزية مع واحدة أو أخرى من محافظات الإقليم، في حال وجود خلاف بينها وبين حكومة الإقليم.
لقاء سابق بين بافل طالباني ونيجرفان بارزاني. (أرشيف) مصير الانتخاباتالمفوضية العراقية أعلنت ترحيبها بالإشراف على انتخابات الإقليم. لكن ذلك لا يعني انتهاء الأزمة، لأن متطلبات إجراء الانتخابات تتطلب تدقيق سجل الناخبين وقانون الانتخاب وتوزيع مقاعد كوتا الأقليات القومية في برلمان الإقليم، وكلها محل خلاف بين القوى السياسية في الإقليم. من جهة أخرى، علم “النهار العربي” من مصدر سياسي رفيع، أن اتصالات واسعة تجرى بين أعضاء المكتب السياسي للحزبين الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، بغية العودة عن مرحلة الخطر التي قد تواجه الإقليم، لكن من دون التوصل إلى اتفاق مبدئي بشأن عقد طاولة حوار مشتركة، بغية التوصل إلى “اتفاق استراتيجي” جديد بين الحزبين، شبيه بما كان بينهما منذ عام 2005. الكاتب والباحث شفان رسول شرح لـ”النهار العربي” آليات فقدان التوازن والتوافق بين الأحزاب السياسية في الإقليم، ومتطلبات عودة ذلك في المستقبل المنظور، بقوله: “تقليدياً، كانت القوى السياسية الكردية تتآلف في ما بينها تحت ضغط آليتين فحسب: إما الضغوط الخارجية، كما حدث عام 1998 حين تمكنت الولايات المتحدة من دفع الأحزاب الكردية نحو المصالحة وإنهاء الحرب الأهلية التي كانت، أو في ظل وجود مشروع سياسي يحمل تطلعاً للأكراد، كما حدث عام 1991، عقب الانتفاضة الشعبية الكردية وحرب الكويت، أو عام 2005، حينما تطلعت الأحزاب الكردية لكسب الفيدرالية وإعادة ترتيب وضع العراق”. ويتابع رسول: “راهناً، لا يبدو الأمران متوافرين. ومنذ ست سنوات على الأقل، بعد تحطم مشروع استفتاء الاستقلال ووفاة الرئيس جلال الطالباني وترك الزعيم مسعود بارزاني منصب رئاسة الإقليم، فإن الأزمة تتسع بين القوى الكردية، ولا تنفع معها اللقاءات السياسية الثنائية. وأغلب الظن ستتمكن المخاوف الراهنة، بعد انقطاع تصدير النفط ومحاولات المركز تقويض صلاحيات الإقليم، من دفع الطرفين الرئيسيين في معادلة الإقليم إلى الدخول في تفكير ومفاوضات استراتيجية مجدداً”. تفاؤل وترقّبوكانت موجة تفاؤل سياسية قد سادت في الإقليم بعد عودة نائب رئيس مجلس وزراء إقليم كردستان، ومعه وزراء الاتحاد الوطني الكردستاني، إلى اجتماعات مجلس وزراء الإقليم، بعد مقاطعة دامت أشهراً، بسبب خلافات حادة بين الحزبين الرئيسيين في الملفين الاقتصادي والإداري، وتصاعد المواجهة الإعلامية بين الطرفين. لكن الأجواء عادت إلى ما كانت عليه عقب استجابة تركيا لقرار محكمة باريس، وقطعت عمليات تصدير نفط الإقليم، وزادت عقب خلافات الحزبين بشأن تفاصيل قانون الموازنة، وحصة إقليم كردستان منها. ويرى متابعون عن كثب أن الاجتماعات الراهنة التي تعقدها الحكومة المركزية العراقية مع نظيرتها التركية، وتوضح حصة إقليم كردستان من الموازنة المركزية، ولثلاث سنوات مقبلة، قد تدفع الحزبين إلى إعادة إحياء تفاوض استراتيجي في ما بينهما، بغية تجاوز ضغوط المرحلة الحالية.