كاظم الموسوي
” ..السفير التركي في بغداد فاتح يلدز، اكد ان بلاده أبلغت رئيس الوزراء حيدر العبادي لدى زيارته لأنقرة بإكمال سد اليسو استعدادا لملئه، فيما بين أن تأجيل ملء السد كلف تركيا الكثير. وقال يلدز في مؤتمر صحفي عقده ببغداد (2018/6/4)، إن “تركيا خططت لبناء سد اليسو منذ زمن طويل”، مبينا أنها “لم تخط اية خطوة دون الاستشارة مع الدول الجارة”.”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قبل أن تحل أيام الصيف المعروفة في العراق، بلاد الرافدين، وبعد انتهاء الانتخابات النيابية (2018/5/12) بدأت اخبار انقطاعات مستمرة في الكهرباء إلى درجات قاسية، اضيف لها هذه الأيام اخبار شحة المياه في الرافدين، وانتشار صور وتعليقات عن انقطاع المياه في نهر دجلة خصوصا. وضاع الصدق من الكذب فيها. وزادت روح المبالغات والاتهامات والتصريحات والكتابات وغيرها، ولم يتأكد أحد من الوقائع أو الصور الحقيقية لكل ما حصل ويحصل في بلاد الرافدين. وكأنه قدر العراق والعراقيين أن يظلوا في دوامة المآسي ..
هل هناك خطط وسياسات؟!.
أجل ثمة عمل مخطط وسياسات منظمة تؤثر على حصص الرافدين المائية من دول المنبع والروافد لهما ايضا. كما أن هناك مساع مبينة أو مقصودة للاستفادة من المياه بغير عدالة التوزيع والقوانين والتفاهمات والأضرار بالرافدين وبلادها وشعبها.
في مثل هكذا أزمات يرجع إلى البحث الفني والعلمي، وله مصادره وثقافته ومختصون، ولابد أن يقرروا ما يتعلق وبما يخدم البلدان ويعزز المصالح والعلاقات المتبادلة وحسن الجوار والثقة والاحترام المتكافيء. ولكل مجال مساحته وشروطه دون هذا التناقض او التباري في خوض أمور ليست كما هي عليه أو في وقائع دامغة.
في الجوانب الدبلوماسية والسياسية أكدت تصريحات المسؤولين الأتراك والإيرانيين، كل من جهته، ما يترتب على بلاده من مسؤولية في هذا الشأن. بعيدا عن النعرات والتطرف في المواقف والآراء والكتابات التحريضية التي تفضح أصحابها، سلبا أو إيجابا، حرصا او خبثا. فالسفير التركي في بغداد فاتح يلدز، اكد ان بلاده أبلغت رئيس الوزراء حيدر العبادي لدى زيارته لأنقرة بإكمال سد اليسو استعدادا لملئه، فيما بين ان تأجيل ملء السد كلف تركيا الكثير. وقال يلدز في مؤتمر صحفي عقده ببغداد (2018/6/4)، ان “تركيا خططت لبناء سد اليسو منذ زمن طويل”، مبينا انها “لم تخط اية خطوة دون الاستشارة مع الدول الجارة”. وأضاف “اننا ابلغنا رئيس الوزراء حيدر العبادي لدى زيارته الى تركيا في عام 2017، بأننا أكملنا بناء هذا السد ونستعد لملئه”، مشيرا الى “اننا استمعنا الى القلق من ملء السد من الجانب العراقي وقمنا بتأجيل ذلك والذي كلفنا الكثير”. وتابع “اتفقنا في الاجتماع الذي عقد في 15 مايو بين اللجنتين العراقية والتركية بشأن المياه على موعد الخزن، وسيتم عقد لقاءات مستمرة حول الأمر”، موضحا انه “من ضمن الاتفاق هو إطلاق كميات كافية من المياه”.
من جهته نفى القنصل الإيراني في محافظة السليمانية سعدالله مسعوديان (2018/6/3) قيام بلاده بقطع مياه نهر “الزاب الصغير” عن المحافظة، محملاً الحكومة الاتحادية في بغداد عدم إبرامها اتفاقية فيما يخص ذلك النهر، ونهر “سيروان” في إقليم كوردستان. وقال مسعوديان في مؤتمر صحفي مشترك عقده اليوم مع رئيس مجلس محافظة السليمانية عقب اجتماع جمعهما، ان “وفد مجلس المحافظة عبر عن قلقه ونحن نتفهم هذا الامر”. وأضاف ان كل من ايران والحكومة الاتحادية في بغداد لديها اتفاقية مبرمة بما يخص سبعة انهر مشتركة باستثناء نهري “الزاب الصغير”، ونهر “سيروان”. واردف مسعوديان بالقول ان طهران طلبت من بغداد سابقا بتشكيل هيئة تتولى إبرام اتفاقية بما يخص النهرين، منوها الى انه “لم نتلق أية إجابة من الحكومة العراقية الى الآن”.
ودعا القنصل حكومة الإقليم الى الطلب من الحكومة الاتحادية بتشكيل هيئة لإبرام اتفاقية بما يخص النهرين، مشيرا الى ان “القنصلية ستذهب مع وفد من مجلس المحافظة لزيارة قضاء “قلعة دزة” للاطلاع على الواقع المائي هناك. ومضى قائلا ان “بعض القنوات الإعلامية، والمواقع الالكترونية الكردية تناقلت خبرا مفاده ان ايران قطعت نهر “الزاب الصغير”، وبدوري قمت بالاتصال بالمعنيين في ايران، وابلغوني بعدم حدوث ذلك”، مشيرا الى ان “موضوع المياه إنساني ولا فرق بين شعبنا، وشعب إقليم كردستان”.
خطورة الموضوع تثير أسئلة كثيرة وتولد قلقا كبيرا، فانحسار المياه هذه الأيام بالذات، او انخفاض مستواها، لا يمكن الصمت عليه ولا التفرج بانتظار الفرج. وهو ما يتطلب صراحة وشفافية وتحمل مسؤولية وسرعة العلاج قبل فوات الأوان وحصول ما لا يحمد عقباه بعدئذ. رغم أن أقوال الجهات الرسمية العراقية تتابع ما يحدث وتقترح ما ينفع حاليا، ولكن القضية لها اسبابها وأبعادها وربما أهدافها، وتلزم اجراءات وقرارات ومشاريع مواكبة ومعالجة بشكل دقيق ومسؤول والتزام فعلي، لا تصريحات وبيانات.
فإن يصرح الرئيس التركي رجب طيب اردوغان (2018/6/4) بقوله “أبلغنا العراق قبل 10 سنوات، وقلنا لهم خزّنوا المياه أنشؤوا السدود لبلدكم ولشعبكم، لماذا المياه تهدر في الخليج بدون فائدة؟ ولكن حكام العراق لم يفعلوا شيئاً وليس لهم أذن صاغية”. واعتبر أن “سد إليسو سوف يجعل مناطق جنوب شرق تركيا أكبر المناطق الزراعية والسياحية ولتوليد الكهرباء في أوربا، وسوف يجلب لنا المستثمرين”. فهذا القول له ما له وما يعنيه وله دلالاته في طبيعة القرارات ونتائج العمليات. وهو قول صريح فيه تحد وغطرسة ولابد أن يقرأ بدقة وسرعة في العراق ويرد عليه بإجراءات تناسب تثبيت المصالح المشتركة ومستقبل العلاقات والتفاهمات وتطبيق القوانين والاتفاقات البينية والدولية.
طبعا شغلت القضية الرأي العام العراقي الآن وتبارى لها كثيرون بدوافع مختلفة وغايات متعددة. وهناك من صوّرها بابعد منها أو قلل من مسؤولية طرف ليحمّل الاخر بما ليس فيه أو لا طاقة له في الواقع العملي، او خلط الأوراق كعادته للتهرب من وصف الحقائق والوقائع كما هي. فالمعروف ان مصدري النهرين ينبعان من الأراضي التركية وان روافد لنهر دجلة تأتي من الأراضي الايرانية. واقع الازمة الحالية كما وضع كاتب عراقي لها، نسبة اقل من عشرين بالمائة على ايران، وعلى تركيا مسؤولية ثمانين بالمائة او اكثر من القضية المشتعلة الان. وهذه وقائع على الارض وليست رغبات او إرادات فردية أو شخصية. ومن يبحث فيها عليه أن ينصف نفسه اولا ويحترم حقوق شعبه ووطنه ثانيا، وينطلق متمتعا في الجوانب الموضوعية والاستقلالية ثالثا ويمكن الاضافة بالأرقام الكثير لما جرى ويجري، ويحمّل العراق ما يقابله للعمل فعلا من أجل درء تحوّل الأزمة الحاصلة الان إلى كارثة مدوية ولات حين ندم …