فارس الحباشنة
السبت 10 تموز / يوليو 2021.
ازمة سد النهضة على طاولة مجلس الامن، والدول الكبار وفي مقدمتها فرنسا ترفض مناقشة ازمة السد في اطار الامم المتحدة.
وكما يبدو فان التفاوض بين مصر والسودان واثيوبيا قد وصل الى نقطة الصفر. واثيوبيا اعلنت قبل ايام عن بدء الملء الثاني لخزان السد، وذلك دون اي ادنى اعتبار للخيار التفاوضي بين اديس ابابا ودول المصب واحترام القانون الدولي، ومصالح الجوار الافريقي المصري والسوداني.
ازمة النهضة وبدء الملء الثاني لخزان السد وصل الى حد التعقيد. عامل الوقت قد استفاد منه الاثيويون، ومضوا في عملية ملء السد وفي مرحلته الثاني، وما يعني استحالة توجيه ضربة عسكرية مصرية للسد، وذلك خشية ما قد يخلف من غرق للنيل الازرق ومساحات شاسعة من السودان. وكما ان اي فيضان لسد النهضة والنيل الازرق يعني غرق مصر ايضا.
النيل بالنسبة لمصر معنى من معاني الوجود والحياة، وسبب الوجود بالاصل، مصر هبة النيل. عبارة كافية قالها شاعر يوناني «هيردوت»، وما زال صداها يتردد، وتعني الكثير في الوجدان الحضاري والقومي المصري. ويضاف الى هذا القول القديم هو قدر جريان النيل في اراضي مصرية، وهي من هبات الجيوسياسة والعلاقات الدولية والتحالفات، وهي الحتمية الجغرافية لمصر التي تحدث عنها جمال حمدان في كتابه عبقرية المكان، وحتمية الجغرافيا مرادف للحتمية التاريخية.
تعطيش مصر، الراحل الكبير محمد حسنين هيكل في حوار مع الجزيرة، وتحدث فيه عن مخطط استعماري قديم لمحاولات تعطيش مصر، ويعود لما قبل 800 عام والحملة الصليبية على المشرق العربي وفلسطين.
وقال هيكل ان سد النهضة لن يكون النهاية في استهداف مصر وتعطشيها وقطع مياه النيل عنها. وفي شهادته الاخيرة قبل رحيله، اكد هيكل ان الهدف من انشاء السد ليس تحقيق التنمية او انتاج الكهرباء كما تدعي اثيوبيا، فمياه الامطار التي تسقط على الاراضي الاثيوبية تزيد على 164 مليار متر مكعب، وهو ما يكفي لزراعة كل الاراضي الاثيوبية وتحقيق تنمية لا يمكن ان يتخيلها احد، بالاضافة الى وجود سدود اخرى لانتاج الكهرباء التي يمكن انتاجها من مصادر اخرى مثل الطاقة الشمسية التي تتوفر في اثيوبيا.
ولا يخفى السوال عن المقصد والهدف ما وراء ذلك، فهل هو الانتقام من شعب مصر وتجويعه وارغامه على القبول بالشروط الاثيوبية الاسراييلية؟ وما لا يتنبه اليه «صناع قرار» العرب ان افريقيا تحولت في العقدين الاخرين لمجال حيوي اسرائيلي، وليس على صعيد اقتصادي فحسب، انما امني واستراتجيي وزراعي.
وثمة حقيقة تقول: ان اسرائيل تختفي في كل تفاصيل سيناريو ازمة سد النهضة. واسرائيل قدمت لاثوبيا نظام صواريخ مضاد للطائرات، ونظام عسكري يحمي السد من اي هجوم بالطيران، واضافة الى تعزيزات عسكرية ميدانية قدمتها تل ابيب لحلفيها الاكبر في القارة الافريقية، وبوابتها نحو نهاية مصر، وفاتحة افريقيا الجديدة.
وقيادات عسكرية اثيوبية تحدثت بنبرة حادة وصاخبة وتهديد ضد مصر والسودان، اكدت على جاهزيتها لاي قتل ومواجهة عسكرية. ومقاربات التفوق العسكري المصري، والمقارنات بين الجيشين المصري والاثيوبي لربما لا تاخذ بالحسبان التحالف الاثيوبي /الاسرائيلي، وما هو موقف واشنطن ايضا، ودعهما السري لمخطط سد النهضة وما بعد السد؟.
في فقه الاستراتيجي، فان مصر ما بين الحياة او الموت، ولاخيار ثالث. الحل الدبلوماسي لعب واضاعة للوقت، والحل العسكري بلا شك ليس مستبعدا بقدر ما هو حاسم وفاصل، ولكن الضربات الجوية للسد فقدت «وزنها التكتيكي»، وبعدما اعلنت اثويبا عن الملء الثاني لخزانات السد.
فهل تنفذ مصر والسودان عملية عسكرية لاحتلال اثيوبيا ومناطق سد النهضة؟ سيناريو لم يتحدث به اي مسؤول وقيادي عسكري مصري، ولكن روح القتال والتجييش وحماية مصر من العطش والموت سائدة لدى المشاعر المصرية.
هيمنة اثيوبيا على حوض النيل، وباعتبارها صاحبة الحق الحصري قي توزيع حصص المياه وانصبة المياه، والتدخل في مصالح الدول المجاورة، وما ينسحب من تدخل في ارادات الدول، وانقاص سيادتها، واضعافها اقتصاديا وامنيا، وتحويلها الى دول رخوة وهشة، وفاشلة.
معركة النيل وسد النهضة مفتوحة في ابعادها السياسية والدبلوماسية والعسكرية. عربيا واقليميا يبدو ان ازمة المياه يشتد سعيرها. وهل ستكون المياه في وجهة الصراعات المقبلة في الاقليم؟ وهل سيعاد النظر استراتجيا في علاقات الدول وتحالفاتها ومصالحها في ضوء ازمة المياه؟.
العراق يواجه ايضا سرقة لحصته من مياه نهري دجلة والفرات. والاردن من اشد الدول العربية فقراء بالمياه، حصته من بحيرة طبريا، والمنصوص عليها باتفافية «وادي عربة» تسرقها اسرائيل، وترفض التزام في ضخها، وفي الاونة الاخيرة جراء الاتفاق على بيع 50 مليون متر الى الاردن.
معارك المياه وجودية. والمتغيرات التي عصفت بالعالم العربي ما بعد الربيع العربي احدثت تغييرا في انماط تفكير واستراتجيات في تعامل الدول في الاقليم والعالم. تركيا فرشت بساطها على الاقليم بعد حربي سورية والعراق، وتدمير البلدين، واسرائيل غزت افريقيا وملأت فراغا لطالما تركه العرب بعدما خسروا كل معاركهم الاستراتيجية!!.