أساتذة يهجرون مهنتهم ليعملوا في سلسلة محلات كوستكو. هل نلومهم؟

1

شواغر كثيرة لا يملأها أحد، والضغط مضاعف على الذين لا يزالون يمارسون المهنة فيبلغ عدد كبير منهم حد الانهيار

جيمس مور  كاتب 

أولويتنا القصوى كانت وستظل التعليم ثم التعليم ثم التعليم (رويترز)

قال المدعو توني بلير مرة “إن أولويتنا القصوى كانت وستظل التعليم ثم التعليم ثم التعليم”. في ذلك الوقت، كان يعلن عزمه الترشح لولاية ثانية. وقد تم تناقل هذا الخطاب على نطاق واسع. ولا يزال مصدراً للاقتباسات حتى يومنا هذا فعلياً. وقد تلى الخطاب فوز ساحق.   

لا عجب في رغبة كير ستارمر بالتركيز على هذا الموضوع في الوقت الذي تمر فيه مدارس بريطانيا بأزمة عميقة لا يسلط عليها الضوء بما يكفي. أجرى حزب العمال تحليلاً لأرقام وزارة التربية والتعليم نفسها، ووجد أن ثلث المعلمين الذين أنهوا تدريبهم المهني خلال العقد الماضي قد هجروا المهنة. في أول خطاب له في السنة الجديدة، قال ريشي سوناك، منافس ستارمر، إنه يريد أن يدرس كل الأطفال مادة الرياضيات حتى عمر الـ18. أين سيجد برأيه العدد المناسب من المعلمين الذي سيحتاجه لتحقيق هذا المطلب؟ في بلاد الخيال، نارنيا؟   

حالياً، تظل شواغر كثيرة على حالها دون أن يملأها أحد، مما يضاعف الضغط على الذين لا يزالون يمارسون المهنة، فيما يبلغ عدد كبير من بينهم حد الانهيار. قال أكثر من سبعة بين كل 10 معلمين (73 في المئة) من أصل 1788 أستاذاً شارك في استطلاع الرأي حول وضع التعليم، الذي نشره اتحاد التعليم الوطني العام الماضي إن مضاعفة الأدوار ازدادت سوءاً خلال الجائحة.

وهذا لا يحدث في المملكة المتحدة وحدها. وفقاً لاستطلاع رأي أجرته وزارة التربية والتعليم في سبتمبر (أيلول)، أكثر من 50 في المئة من المدارس الرسمية في البلاد كانت تعاني من نقص في الموظفين عند بداية العام الدراسي 2022-2023. كما أفادت 69 من هذه المدارس بأن الشواغر لا تستقطب العدد الكافي من المعلمين. 

خلال عطلة نهاية الأسبوع، كتبت صحيفة “اندبندنت” عن إحدى المعلمات اللواتي تركن المهنة، وهي التيك توكر @millennialmsfrizz التي تعمل الآن في كوستكو. قالت إنها عملت سبعة أيام في الأسبوع في الفترة السابقة لعيد الميلاد، بما في ذلك ليلة العيد. في مهنتها السابقة، كانت لتحظى بعطلة في هذه الفترة. لكنها قالت “قضيت وقتي كمعلمة في محاولة الاستمرار والانتقال من لحظة إلى التالية لذلك بحلول عطلة الميلاد، كنت منهكة لدرجة إصابتي بالمرض فعلاً. لهذا السبب ينتابني شعور جيد بأنني لست معلمة في هذا الوقت”.  

هذه إدانة لوضع المهنة الحالي في كل أنحاء العالم (نفذ المعلمون إضرابات في فنزويلا أيضاً هذا الأسبوع). لا يجب أن يكون العمل لدى كوستكو الخيار الأفضل بعد سنوات من التدريب المطلوب لتخريج معلمين مؤهلين للوظيفة. لكن تصريحات @millennialmsfrizz لا تفاجئ أشخاصاً رأوا أصدقاءهم وأفراد عائلتهم يدخلون المهنة بكل حماس، مثلما رأيت أنا في بريطانيا، قبل أن يتحولوا تدريجياً إلى أشباه الموتى الأحياء.

يمكن أن تكون ساعات العمل صعبة للغاية. أجرى معهد التعليم التابع لكلية لندن الجامعية دراسة تجريبية حول الموضوع، وجدت أن ساعات عمل المعلمين في إنجلترا تفوق أي دولة متطورة أخرى. فمعلم من كل أربعة يعمل أكثر من 60 ساعة أسبوعياً.   

كما أن قطار السلبية المستمر لا يساعد الوضع أبداً، يبدو أن الناس يعتقدون أن اليوم المدرسي ينتهي عند الساعة 3.45 بعد الظهر، عند مغادرة آخر الأطفال حرم المدرسة. ومع عطلة تستمر 13 أسبوعاً كذلك! غالباً ما أسمع المتصلين المتذمرين الذين يهاتفون البرامج الإذاعية ويطلقون هذا النوع من المزاعم من دون أن يعارضهم مقدمو البرامج الذين يجب أن يُكتب على تقارير أدائهم “عليه أن يبذل جهداً أكبر”. 

في الحقيقة، غالباً ما يمتد نهار المعلم العادي من الساعة الثامنة صباحاً، وقبل ذلك أحياناً، إلى الساعة السادسة مساء، ويستمر بعدها عدة ساعات أيضاً في أعقاب عودته إلى المنزل. كما يعمل المعلمون خلال عطل نهاية الأسبوع، وخلال عطل الأعياد، ولا يُعتبر سوى جزء بسيط من هذا الوقت عطلة مدفوعة الأجر. تفرض اختراعات المحافظين من قبيل “الأجر المرتبط بالأداء” على المعلمين قضاء جزء أكبر من الوقت وهم يثبتون أنهم يؤدون وظائفهم، من ذلك الذي يقضونه في التعليم الفعلي.

وإضافة إلى ذلك، يشعرون بالضغط بسبب إحساسهم بأنهم خاضعون للمراقبة باستمرار وبسبب السلوك غير المفيد والهجومي أحياناً كثيرة لمكتب أوفستيد لمراقبة جودة التعليم، وتصريحاته. ليس من المفاجئ أن العمل في سوبرماركت قد يبدو الخيار الأفضل للمرء. فهي وظيفة يمكنك أن تتركها داخل المتجر عندما ينتهي عملك.  

كما أننا لا نستطيع تفادي مسألة الأجر. تتحسن الأجور في مجال البيع بالتجزئة، حيث طرحت شركات مثل ساينزبوري الزيادة الثالثة على الرواتب. لكن في هذه الأثناء، يقول اتحاد نقابات التعليم الوطنية إن أجر المعلمين قد انخفض بنسبة 20 في المئة بالقيمة الحقيقية خلال العقد الماضي. وتساعد هذه النقطة، إضافة إلى زيادة الخمسة في المئة التي اقترحتها الحكومة- وهي تساوي اقتطاعاً بنسبة سبعة في المئة بالقيمة الحقيقية- في شرح الاقتراع الحالي على تنفيذ إضراب. ويطالب اتحاد نقابات التعليم الوطنية بزيادة قيمتها 12 في المئة على أجور أعضائه.

كان رد فعل الحكومة التهديد بحظر الإضراب، لكن كما تظهر أرقام حزب العمال، كل ما يفعله هذا هو مفاقمة الهجرة من المهنة- وأطفالنا هم من سيعاني. 

لذلك فحزب العمال محق بتركيزه على التعليم. لا بد أنه يمكن حصد أصوات من الأهل الذين يهتمون لأمر مستقبل أطفالهم، ويشعرون بهول الدمار الذي لحق بمدارس بريطانيا خلال السنوات الـ12 الماضية. لكن بذور بعض المشاكل التي تلاحق المهنة على الأقل ومن بينها مشكلة ضغط العمل الهائل مثلاً- زُرعت في ظل إدارة بلير التي ظلت تفرض “إصلاحات” جديدة من دون أن تعطي تلك التي سبقتها الوقت الكافي لكي تترسخ.  

يحب السياسيون من الجهتين أن يتحدثوا بإخلاص ظاهري عن “تحسين المعايير” كما يحبون أن يطلقوا المبادرات التي يزعمون أنها ستؤدي هذا الغرض. لكن في النهاية، لا يسفر ذلك سوى عن زيادة البيروقراطية وساعات العمل وعدد المعلمين الذين يتركون المهنة. إن كانت نية ستارمر الحقيقية تحسين الفرص الحياتية لأطفال بريطانيا، فعليه العثور على سبل لتعزيز القوى العاملة القائمة على محترفين ملتزمين يتلقون أجراً مناسباً- ونعم، يحصلون على قسم جيد من الراحة- ولديهم ما يكفي من الوقت والمساحة لكي يفكروا ويعلموا بطرق مبتكرة.    

عليه التعامل مع مشكلة ضغط العمل الكبير والكف عن تحقير المعلمين. وسيكون من الجيد لو انتقد أوفستيد كذلك. بعدها عليه التراجع والسماح للمعلمين بأن يعلموا. لو فعل ذلك، ربما لن يشعروا بالحاجة إلى قصد كوستكو بحثاً عن طلب توظيف ونظاماً أقرب إلى توازن سليم بين الحياة العملية والحياة الخاصة، حتى بعد العمل لمدة سبعة أيام متواصلة خلال فترة عيد الميلاد.

التعليقات معطلة.