تحرَّكت أسعار النفط خلال الفترة الأخيرة بين عدة تطورات جيوسياسية، من بينها: العقوبات الاقتصادية الأميركية الجديدة على الصادرات البترولية الروسية، وتسلُّم دونالد ترمب رئاسته الثانية للولايات المتحدة، ووقف إطلاق النار في غزة.
أدت العقوبات الأميركية الجديدة على الصادرات البترولية الروسية إلى اضطراب الأسواق، لعدم اليقين حول كمية الإمدادات التي ستتوفر إثر العقوبات الجديدة. على أثره، انخفضت الأسعار نحو 50 سنتاً لفترة مؤقتة، لترجع للارتفاع 1.7 في المائة، وتسجل 80.79 دولار لبرميل برنت. فالصادرات النفطية الروسية تلعب دوراً مهماً في أسواق الصين والهند وأوروبا، رغم العقوبات الأميركية التي كانت مفروضة سابقاً. وقد استطاعت الشركات الروسية التحايل على هذه العقوبات، كما استطاعت إيران التلاعب بها في صادراتها النفطية إلى الأسواق الآسيوية خلال السنوات الماضية، رغم العقوبات الأميركية.
ورغم أن العقوبات الأميركية الجديدة قد فُرضت من قبل إدارة الرئيس جو بايدن، فإن وزير الخزانة الجديد في إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترمب، قد أعلن عن نيته فرض العقوبات الجديدة على الصادرات البترولية.
هذا، ويتوقع أن ترتفع أسعار الشحن البترولي خلال عام 2025، مع اضطرار دول بترولية مصدرة تحت العقوبات (روسيا وإيران) إلى استعمال ناقلات جديدة، بدلاً من القديمة، في عمليات التهريب والتمويه. وتقدر أوساط الصناعة النفطية أن نحو 75 في المائة من ناقلات النفط المستعملة حالياً من قبل روسيا وإيران هي ناقلات قديمة مموهة. لذا؛ إذا تم تشديد العقوبات فعلاً، فستضطر روسيا وإيران إلى اللجوء إلى الناقلات الجديدة، مما سيؤدي إلى ارتفاع في أسعار النفط.
وقد تفاقمت الأمور الطاقوية في أقطار السوق الأوروبية المشتركة مؤخراً، لسببين: اعتمادها الواسع على الطاقات المستدامة، بالذات طاقة الرياح التي تواجه صعوبات في المحافظة على طاقتها الإنتاجية في موسم الشتاء القارس البرودة الحالي.
وما زاد الأمور تعقيداً لأوروبا هو إيقاف تصدير الغاز الطبيعي من روسيا إلى أوروبا عبر الأنابيب المارة بأوكرانيا، الأمر الذي يقلص من إمدادات الطاقة إلى أوروبا؛ إذ سيتوجب في هذه الحال استيراد الغاز المسال عن طريق الدول الأوروبية الجنوبية. وأوروبا في وضع حرج، إذ إنها لا تريد أن تُتَّهم بأنها تستفيد مالياً من عبور الغاز عبر خط أنابيب روسي يمتد في أوكرانيا.
وقد حاولت سلوفاكيا والمجر اللتان تعتمدان على خط الأنابيب هذا، إقناع الأعضاء الأوروبيين الآخرين في السوق باستمرار ضخ الغاز، دون نجاح. وهذا الأمر سيعني أن سوق الغاز المسال الأوروبي سيتوسع أكثر وأكثر لتعويض الغاز الروسي عبر أوكرانيا، مما يعني أيضاً الحاجة إلى استيراد كميات أكبر من الغاز المسال، الأغلى قيمة من الغاز الطبيعي، عبر الأنابيب.
وتفيد المصادر الصناعية بأن أقطار السوق الأوروبية المشتركة قد استوردت خلال الأسبوعين الأولين من شهر يناير (كانون الثاني) الجاري نحو 837.3 طن متري من الغاز المسال الروسي (مصدره القطب الشمالي).
ويشكل الطلب الأوروبي المتزايد للغاز المسال الروسي قلقاً في الأوساط الأوروبية، لما يشكله من ضغوط سياسية ومالية على أوروبا في عامها الرابع مع حرب أوكرانيا.
من جهة أخرى، أدى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بين حركة «حماس» وإسرائيل إلى وضع سقف لمسيرة ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية، نظراً لتوقع انتهاء الهجمات الحوثية على حركة الملاحة في جنوب البحر الأحمر.
أخيراً، فإن تسلُّم دونالد ترمب رئاسته الثانية للولايات المتحدة قد أثار كثيراً من التساؤلات في أسواق النفط؛ أهمها حول تشجيع زيادة إنتاج النفط الصخري، وفتح المجال للشركات الأميركية في الاستكشاف والإنتاج من المناطق المحمية في الأراضي الفيدرالية. ومع بدء الترويج لزيادة الإنتاج النفطي، ارتفعت أسعار أسهم الشركات النفطية الأميركية، بالذات تلك المتخصصة في الإنتاج الصخري؛ لكن تنذر هذه السياسة كذلك باحتمال زيادة الإمدادات النفطية في الأسواق العالمية، مما قد يؤدي إلى انخفاض الأسعار على المدى القريب.