سعي لاختيار رئيس حكومة يحظى بقبول إيران والولايات المتحدة
ترجمة: حامد أحمد
تناول تقرير لوكالة أسوشيتد برس الأمريكية حالة الجمود في تشكيل حكومة عراقية جديدة بعد أكثر من شهر على الانتخابات، في وقت تواصل كتل سياسية مناوراتها لتشكيل تحالفات ستحدد شكل وملامح الحكومة القادمة التي سترث وضعًا اقتصاديًا صعبًا وسط تحديات إقليمية ودولية، بينما تسعى الكتل لأن يكون المرشح لرئاسة الحكومة مقبولًا بشكل عام من قبل إيران والولايات المتحدة. ولم تُسفر انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر عن كتلة تمتلك أغلبية حاسمة، ما فتح الباب أمام فترة طويلة من المفاوضات.
ويشير التقرير إلى أن الحكومة التي ستتشكل في نهاية المطاف، سترث وضعًا أمنيًا شهد استقرارًا نسبيًا في السنوات الأخيرة، لكنها ستواجه في المقابل برلمانًا منقسمًا، وتناميًا في النفوذ السياسي للفصائل المسلحة، واقتصادًا هشًا، إضافة إلى ضغوط دولية وإقليمية متعارضة في كثير من الأحيان، من بينها مستقبل الجماعات المسلحة المدعومة من إيران.
وقد حصل حزب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني على أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات. وخلال ولايته الأولى، قدّم السوداني نفسه على أنه رجل براغماتي يركز على تحسين الخدمات العامة، ونجح في إبقاء العراق بعيدًا عن الانخراط المباشر في الصراعات الإقليمية. ورغم أن حزبه يُعد اسميًا جزءًا من “الإطار التنسيقي”، وأصبح الكتلة البرلمانية الأكبر، إلا أن مراقبين يقولون إنه من غير المرجح أن يدعم الإطار إعادة ترشيح السوداني لولاية ثانية. وقال سجاد جياد، المحلل السياسي العراقي والباحث في مؤسسة “ذي سينتجري فاونديشن” البحثية: “الخيار لرئاسة الوزراء يجب أن يكون شخصًا يعتقد الإطار أنه قادر على التحكم به، ولا يمتلك طموحات سياسية خاصة به”. وأضاف أن السوداني وصل إلى السلطة عام 2022 بدعم من الإطار التنسيقي، لكنه يرى أن التحالف “لن يمنحه ولاية ثانية لأنه أصبح منافسًا قويًا”.
وكان نوري المالكي هو رئيس الوزراء العراقي الوحيد الذي خدم ولايتين منذ عام 2003، إذ انتُخب لأول مرة عام 2006. إلا أن مسعاه للحصول على ولاية ثالثة فشل بعد تعرضه لانتقادات بسبب احتكار السلطة وإقصاء السنّة والأكراد. وقال جياد إن الإطار التنسيقي استخلص درسًا من تجربة المالكي مفاده أن “رئيس الوزراء الطموح سيسعى إلى تركيز السلطة على حساب الآخرين”.
وأشار إلى أن الشخصية التي يتم اختيارها لرئاسة الحكومة يجب أن تُعتبر عمومًا مقبولة من إيران والولايات المتحدة — وهما دولتان لهما نفوذ كبير في العراق — وكذلك من المرجع الشيعي الأعلى في البلاد علي السيستاني.
وفي الانتخابات، حصلت التحالفات والقوائم الشيعية — التي تهيمن عليها أحزاب الإطار التنسيقي — على 187 مقعدًا، فيما حصلت القوى السنية على 77 مقعدًا، والأحزاب الكردية على 56 مقعدًا، إضافة إلى تسعة مقاعد مخصصة للأقليات. أما تحالف الإعمار والتنمية، الذي يقوده السوداني، فقد تصدّر النتائج في بغداد وعدة محافظات أخرى، محققًا 46 مقعدًا. ورغم قوة نتائج السوداني، إلا أنها لا تمكّنه من تشكيل حكومة من دون دعم ائتلافات أخرى، ما يضطره إلى التقارب مع الإطار التنسيقي للحفاظ على مستقبله السياسي. وقد تعزز موقف الإطار التنسيقي أكثر بسبب غياب التيار الصدري عن الانتخابات، إذ قاطع رجل الدين مقتدى الصدر العملية السياسية منذ تعذره عن تشكيل حكومة بعد فوزه بأكبر عدد من المقاعد في انتخابات عام 2021. حامد السيد، ناشط سياسي، يقول لأسوشيتد برس إن غياب الصدر كان له “تأثير محوري”.
وأضاف قائلًا: “لقد قلّص المشاركة في المناطق التي كانت تقليديًا ضمن نطاق نفوذه، مثل بغداد ومحافظات الجنوب، ما خلق فراغًا انتخابيًا استغلته فصائل مسلحة منافسة”، مشيرًا إلى أن عدة أحزاب داخل الإطار تمتلك أجنحة مسلحة. وقد فازت الجماعات المرتبطة بأجنحة مسلحة بأكثر من 100 مقعد برلماني، وهو أكبر تمثيل لها منذ عام 2003.
وفي المقابل، سعت القوى السنية إلى إعادة تنظيم صفوفها تحت مظلة تحالف جديد يُعرف باسم “المجلس السياسي الوطني”؛ بهدف استعادة النفوذ الذي فقدته منذ انتخاباتي 2018 و2021.
وأشار التقرير إلى أن الحكومة المقبلة ستواجه تحديات اقتصادية وسياسية كبرى، من بينها ارتفاع مستوى الدين، الذي يتجاوز 90 تريليون دينار عراقي (قرابة 69 مليار دولار)، واعتماد الموازنة العامة للدولة على النفط بنسبة تقارب 90% من الإيرادات، رغم محاولات التنويع، فضلًا عن تفشي الفساد.
وتضغط الولايات المتحدة على العراق لنزع سلاح الفصائل المسلحة المدعومة من إيران — وهي خطوة بالغة الصعوبة نظرًا للنفوذ السياسي الذي تتمتع به تلك الجماعات، واحتمال معارضة إيران لها.
وقال مسؤولان سياسيان عراقيان رفيعا المستوى، تحدثا شريطة عدم الكشف عن هويتهما لعدم تخويلهما بالتصريح علنًا، إن الولايات المتحدة حذرت من اختيار أي مرشح لرئاسة الوزراء يسيطر على فصيل مسلح، كما حذرت من السماح لشخصيات مرتبطة بالفصائل بتولي وزارات سيادية أو مناصب أمنية مؤثرة.
عن أسوشيتد برس

