وليد الزبيدي
أحد أهم أعمدة نجاح الشركات الكبرى في العالم يكمن في مراكز دراسات أبحاث السوق التي تتميز بها هذه الشركات، وعند إجراء تقييم للنجاحات التي تحققها تلك الشركات، نجد وبدون شك أن تلك الأبحاث والقائمين عليها تقف في المقدمة بين عوامل النجاح الأخرى، وبعد صعود شركة هواوي الصينية في السنوات القليلة الماضية وتسليط الأضواء عليها في الأوساط التكنولوجية في مختلف أرجاء العالم، أصبح الحديث عن مركز الأبحاث الخاص بها ودوره في التقدم الكبير الذي تحققه هواوي حقيقة لا يستطيع المهتمون والمختصون تجاوزه، إذ تنفق الشركة على مركز أبحاثها مبلغا يصل إلى عشرة مليارات دولار سنويا، ويعمل في المركز ما يقرب من الخمسمئة شخص من المختصين في هذا الميدان، وقد يستغرب الكثيرون من هذا المبلغ الذي يتم إنفاقه على أبحاث السوق من قبل شركة واحدة، وهو مبلغ يتجاوز ميزانية دول، إذ هناك الكثير من الدول لا تصل ميزانيتها السنوية إلى هذا المبلغ، وثمة دول تسجل وارداتها مبالغ ضخمة جدا إلا أنها لا تنفق ما يعادل نسبة ضئيلة من هذا المبلغ على البحث العلمي في المؤسسات الحكومية والأكاديمية.
لا يقتصر الأمر على شركة هواوي في الإنفاق الكبير على أبحاث السوق واعتمادها كفاءات وعلماء وخبراء في إدارة هذه المراكز، بل إن جميع الشركات الناجحة تعتمد هذا النهج، وثمة من يرى أن سبب تراجع مبيعات شركة نوكيا في ميدان الهواتف النقالة يعود لضعف مركز أبحاثها في هذا الجانب، ما أفضى إلى فشل نوكيا بعد أن كانت تحتل المركز الأول في مبيعات الهواتف النقالة لتتراجع بسرعة كبيرة، في حين صعدت شركة أبل وسامسونج وبعد ذلك هواوي، وبقدر ما تجعل دراسات السوق منتجات الشركة في المكانة التي تستحقها، فإن المهمة الملقاة على هذه المراكز تتمثل في استشراف المستقبل، والتفتيش بين زوايا الغد في الأخطار التي تنافس المنتج في ضوء المنافسة الشديدة التي يعيشها العالم في الميدان التقني بصورة عامة والصناعي بشكل عام، إذ إن النظرة المستقبلية تتطلب وجود رؤية تتجاوز حدود المنظور في السوق، وهذا المدى أو لنقل المديات لا يمكن للمديرين داخل الشركة أن يلتقطوه من داخل مكاتبهم ووسط انشغالاتهم في الجوانب الإدارية والإنتاجية والمالية والقانونية، لأن سوق المنافسة لا يتحدد بنوعية المنتج وإنما تتحكم به عوامل أخرى، وحتى النوع يتم تحديده ومراحل تطوره من خلال خبراء السوق الذين يرون ما لا يراه المديرون الذين يعملون داخل مكاتبهم وضمن تخصصاتهم الفنية والإدارية.
وبدون شك فإن أهمية مراكز دراسات السوق قد أصبحت ضرورة ملحة ليس للشركات العملاقة فقط، وإنما لجميع الشركات التي تسعى للانتشار والمنافسة مع شركات أخرى.