وليد الزبيدي
لم يتوقف الكثيرون عند حدث خطير، ولم يناقشه الخبراء، رغم أنه ينطوي على الكثير من المعاني والدلالات، ومعروف أن الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش قد اطلق عبارة “المهمة أنجزت” في العراق، معلنا “الانتصار الكبير” في خطابه الشهير الذي ألقاه من على سطح الفرقاطة الأميركية الشهيرة ابراهام لنكولن في الأول من مايو من العام 2003، ولم يعترض المفكرون والاستراتيجيون والسياسيون على ذلك الوصف، ورأوا فيه دقة وواقعية سياسية عميقة، وأنه يمثل خلاصة حرب الأسابيع الثلاثة التي تمكنت خلالها القوات الأميركية والبريطانية من اسقاط الحكم في العراق والسيطرة على هذا البلد بمساحته الواسعة البالغة 444 الف كيلومتر مربع، وانطلق هؤلاء في قبولهم لما أعلنه الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش وعدم التحذير من عواقب ذلك وتداعيات قد يشهدها العراق إلى عاملين رئيسيين، هما:
الاول: أن العراق قد تم انهاكه على مدى ما يقرب من أربعة عشر عاما من الحصار القاسي، وأن حجم المعاناة الكبير قد ولد “قناعة” لدى العراقيين بقبول “العم سام” الذي يفرض هيمنة على العالم غير مسبوقة، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي مطلع تسعينات القرن العشرين، وأنه ليس ثمة خيار امام العراقيين إلا قبول “الواقع الجديد”.
الثاني: أن القوة العسكرية الأميركية الهائلة تفرض حالة من اليأس الكبير والقنوط على كل من يفكر بالتحرك ضد هذه القوات في العراق، خاصة أن العراقيين قد شاهدوا بأم أعينهم حجم هذه القوة وجبروتها. وكيف حققت نصرا ميدانيا سريعا.
وفي نظرة تحمل الكثير من السذاجة السياسية استحضر الأميركيون تجربتين سابقتين، هما التجربة اليابانية والألمانية بعد هزيمة البلدين في العام 1945، وهذا ما أكده لاحقا بول بريمر ما يسمى بالحاكم المدني في العراق، ولم يتوقف هؤلاء عند التجربة الفيتنامية التي الحقت قوات المقاومة بقيادة الزعيم الفيتنامي هوشي منه هزيمة منكرة بالولايات المتحدة في العام 1975.
ويبدو أن صورة الماريشال الألماني كايتل الذي وقع وثيقة الاستسلام الألمانية في الثامن من مايو في العام 1945 ما زالت في عقول القادة الأميركان ورئيسهم جورج بوش الابن، وهو يستعد لإلقاء خطابه في الأول من مايو من العام 2003، أي بعد احتلال العراق بنحو ثلاثة أسابيع، فعندما سلم الجنرال الأميركي كارل سباتز قائد القوات الأميركية الجوية الاستراتيجية للجنرال كايتل وثيقة الاستسلام المكونة من مئتي صفحة، قلبها كايتل وذهب إلى الصفحة الأخيرة موقعا على كل ما تضمنته، وطلب منه الأميركي أن يقرأ الوثيقة اجاب (المهزوم لا يقرأ وعليه أن يوقع على كل شيء)، كذلك حصل ذات الأمر في اليابان بعد ثلاثة اشهر عندما استخدمت الولايات المتحدة القنابل النووية في تدمير مدينتي هيروشيما وناغازاكي ( اب- اغسطس 1945)، ولم يكن بإمكان المسؤولين اليابانيين إلا رفع راية الاستسلام للقوات الأميركية في ذلك الوقت.
لكن وبعد خمسة عشر عاما على إعلان الرئيس الأميركي جورج بوش عن “إنجاز المهمة” في بلاد الرافدين، تبدو الصورة مختلفة تماما عن تلك التي فرح بها بوش الابن.