أصداف: الثورة الرابعة وتراجع بعض الدول المتقدمة

1

وليد الزبيدي

هذه ثورة لم تطلق في جميع مفاصلها اطلاقة واحدة، وإذا قدمت الثورات عبر التاريخ فائدة وخلفت مآسي للدول والمجتمعات كما يقول التاريخ، فإن الثورة الرابعة تقدم يوميا المزيد من الخدمات وتيسر الحياة في جميع المجتمعات، وإذا اقتصرت الثورات الكبيرة والصغيرة على اصدار بيانات الثورة وصياغة أدبياتها لاحقا بلغة واحدة، فإن هذه الثورة توزع أفكارها بجميع اللغات ولم تتوقف عند جدار أو سياج ولم تمنع وصولها البحار والمحيطات وجبال الثلج الكبيرة ولا الصحارى المقفرة، صحيح أنها لم تنفجر أو تتفجر فجأة وعلى حين غرة، وأن خطواتها الأولى تمتد لخمسة الاف سنة ، إلا أن ما يميز الثورة المعرفية والتقنية الرابعة، أن خطواتها لا تقفز قفزات وإنما تسير أحيانا بسرعة البرق في تقديم الجديد بعالم الاختراعات والريادة والاكتشاف.
الجديد في الثورة الرابعة أنها وضعت العالم بأكثر من مستوى، رغم أن ادواتها متاحة للجميع وفي كل مكان، إلا أن الاختلاف بين دولة تحقق قفزات حقيقية ودول اخرى ما زالت تسير مثل السلحفاة في عالم متسارع الخطوات، أن ثمة عقول قيادية وادارية تفتش عن المسارات المستقبلية الحقيقية وفي ضوء ذلك تعتمد البنى التحتية السليمة والصحيحة والمناسبة.
كثيرون الذين كتبوا تاريخ الثورات والانقلابات العسكرية التي غالبا ما تعطي دروسا للطامعين بالسطلة والعسكر للاقتداء بمن سبقوهم وإذاعة البيان رقم واحد، لكن المفكر لوتشيانو فلوريدي يقدم دراسة مختلفة ويكتب تاريخ ثورة من نوع مختلف جدا، وهو ما اسماها بالثورة الرابعة وما نحتاج التوقف عنده تناوله لقضية في غاية الأهمية، وابحاره في قضية التاريخ المفرط، الذي يؤكد فيه أن دول العالم حاليا تنقسم بين تاريخين، تلك التي تعيش التاريخ، وهي الأقرب إلى ما كان يصطلح عليه بـ “دول العالم الثالث” نظرا لعدم قدرتها على اللحاق بركب التطور الذي شهدته دول العالم المتقدم في النصف الثاني من القرن العشرين، إلا أن مصطلح الدول التي تعيش في التاريخ يشمل الغالبية العظمى من دول العالم، من بينها دول توصف بالمتقدمة طيلة العقود الماضية.
ثمة سبع دول تعيش التاريخ المفرط، هي: كندا والولايات المتحدة واليابان من خارج أوربا، وألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا فقط من المجموعة الأوربية، وما عدا ذلك فإنها تصنف في الدرجة الثانية، ومفهوم الدول التي تعيش في التاريخ المفرط، هي، الدول التي لا يقل عن 70 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي (قيمة السلع والخدمات المنتجة في بلد) لهذه الدول يعتمد على السلع غير المادية ذات الصلة بالمعلومات بدلا من السلع المادية الناتجة من العمليات الزراعية أو الصناعية، تعتمد اقتصادات هذه الدول على أصول قائمة على المعلومات، أي اقتصاد قائم على المعرفة.
ترى هل سيتم استخدام مصطلحات جديدة تذكرنا بالدول المتقدمة وأخرى من العالم الثالث؟ ومن هم قادة الدول الذين سيضعون برامج تنويه حقيقية بعيدا عن النزاعات والحروب للحاق بالركب والعيش في التاريخ المفرط؟

التعليقات معطلة.