يصرخ العالم أجمع من التداعيات السلبية التي طالت اقتصاد كل الدول تقريبا جراء تفشي جائحة كورونا التي عزلت الناس في المنازل فأوقفت بشكل كبير عجلة الإنتاج وحركة الاستيراد والتصدير، وأغلقت الشركات والمحال والأندية والمتنزهات والكثير من مظاهر الحياة في المجتمعات.. ومما “زاد الطين بلة” تدهورت أسعار النفط بصورة كبيرة مما شكل ضغطا مضاعفا وزاد من تفاقم الأزمة، وسبب وركودا للاقتصاد العالمي خصوصا الدول التي يعد الذهب الأسود رقما مؤثرا في دخلها الوطني.. ناهيك عن تأثيرات الجائحة الصحية والاجتماعية وغيرها.
وبالطبع لم تكن السلطنة في معزل عن هذا التأثير الاقتصادي المزعج لذلك أقرَّ الاثنين الماضي مجلس الدولة مقترحا برغبة اللجنة الاقتصادية دراسة “استقرار الاقتصاد العُماني في ظل تراجع أسعار النفط وجائحة كوفيد 19”، مع الأخذ بملاحظات الأعضاء حوله، وذلك خلال أعمال الجلسة العادية السابعة لدور الانعقاد السنوي الأول من الفترة السابعة برئاسة معالي الدكتور يحيى بن محفوظ المنذري رئيس مجلس الدولة .. وهذا التوجه من الدولة يشير إلى حرص المسؤولين على تحقيق الاستقرار للاقتصاد العماني، فالدراسة المنشودة ستقدم التحديات التي يواجهها هذا الاقتصاد والحلول التي من الممكن أن تخفف من وطأتها حتى تعود الحياة إلى طبيعتها، لا سيما أن هناك الكثير من مفردات الحياة قد تغيرت خلال الفترة الماضية. لا شك أن هذه التحديات الاقتصادية أصابت في نفوس البعض بالقلق والخوف من تباطؤ تنفيذ الحلم والأمل وهو رؤية “عُمان 2040” .. ولكن من يدقق في المشهد العماني يجد أن القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ أظهر حرفية ومهارة في إدارة الأزمة التي لم تثنه عن عزمه أو تفتر عزيمته لإكمال مسيرة التقدم والنهضة وتحقيق الاستراتيجية المنشودة التي يعلق عليها العمانيون الآمال في اقتحام المستقبل المشرق من أوسع أبوابه وتحقيق الرخاء والتطور.. فعمل جلالته ـ أيده الله ـ رغم محدودية الإمكانات على تقليل الخسائر قدر الإمكان، بل وتحويلها إلى مكاسب .. لذلك تعد السلطنة من ضمن الدول القلائل التي لم تؤثر الجائحة على اقتصادها بشكل كبير، ولكن شهد استقرارا وثباتا وتثبت ذلك الأرقام التي تصدر بين الحين والآخر عن المؤسسات المختلفة.
إن من يقلب في تاريخ عُمان التليد يجد أن شعبها الأبي يقتحم الصعاب بما يمتلكه من فكر حضاري بعزيمة صلبة وإرادة فولاذية وقد تجاوز العديد من التحديات الصعبة وخرج من أزماته أكثر صلابة واستقرارا وتمكن من الدفع بمسيرة التقدم دون النظر لما يحيط به من تحديات .. لذلك فإننا جميعا متفائلون بأن ما تمر به بلادنا الحبيبة في الوقت الحالي سوف يعبره العمانيون بكل ثقة وسيصلون للمستقبل المشرق خلال السنوات القليلة القادمة، خصوصا أن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ يدرك خطواته القادمة جيدا ولديه صورة واضحة لكيفية تحقيق الأهداف المنشودة. إننا نثق في توجهات قائدنا المفدى ـ أعزه الله ـ ونقف جميعا خلفه مؤيدين ومناصرين ومساعدين بكل ما نملك من قوة .. وكما قامت النهضة طوال سنواتها الماضية البالغة الخمسين عاما بسواعد آبائنا خلف جلالة السلطان قابوس بن سعيد ـ طيب الله ثراه ـ فإن المسيرة كذلك ستكتمل بسواعدنا وسواعد أبنائنا خلف حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ أيده الله بنصره .. فرؤية “عُمان 2040” رؤيتنا جميعا، ولن تكتمل الصورة ويستقيم البناء إلا بتكاتف الشعب خلف القيادة؛ لأننا تعودنا أن كل فرد في المجتمع لبنة في صرح الوطن وشريك في بنائه وتنميته. لا شك أن الفترة القادمة تعتمد في المقام الأول بعد الخطط الحكيمة على وعي الشعب الذي يجب أن يثبت خلال تعايشه مع الوباء أنه لن يترك نفسه فريسة للاستهتار الذي يعد عقبة في مسيرة التنمية، بل يجب أن يأخذ حذره ويلتزم بالإجراءات الوقائية حتى يتم القضاء على الجائحة نهائيا وتدور عجلة الإنتاج مرة أخرى بصورة أسرع من الأول ونعبر للمستقبل المشرق في أقرب وقت ممكن.. فنحن في سباق مع الزمن وعلينا أن نسبقه كالمعتاد. على العمانيين أن يعلموا أن التاريخ يسجل كيفية تعامل الشعوب مع الأزمة الحالية وبالتالي عليهم أن يثبتوا أنهم تمكنوا من تجاوزها بكل سهولة دون تأثير يذكر وذلك من خلال المثابرة والصبر والتفاني في العمل والوعي بتداعياتها.
مسك الختام
قال تعالى: “واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا”.
ناصر بن سالم اليحمدي