مقالات

أكاذيب تؤذي القلب

 
 
جودة مرسي
 
اعتاد البعض على سبيل الدعابة اختراع كذبة مع بداية شهر إبريل من كل عام، وهو تقليد فرنسي منذ القرن التاسع عشر، ومع مرور الوقت لم يقتصر الكذب على إبريل فقط وانتفى منه صفة الدعابة، فأصبح الكذب شائعا لأسباب مختلفة منها الخروج من مأزق أو للمواربة على شيء ما بافتعال الأكاذيب بدلا من المواجهة بالحقيقة ظنا من الكاذب أن الكذب هو طوق النجاة، وإن كانت حباله قصيرة كما تقول الأمثال (إن الكذب حباله قصيرة) أي أنه يكتشف بسرعة. والمؤلم أن الأكاذيب أصبحت سمة في طبائع البعض وتسبق أحاديثهم سواء في اجتماعاتهم الشخصية أو الجماهيرية، ولا يستطيعون التخلي عن هذه العادة السيئة، ويذكرون الشيء ونقيضه في تناسٍ للتراث الشعبي القائل (إن كنت كذوبا كن ذكورا) وأكثر الأشخاص شهرة في عالم الكذب من يشتغلون بالسياسة فأحيانا يكذبون لتمرير قوانين أو لتمرير صفقة سياسية أو إشاعة فرص استثمارية بحجة جذب المستثمرين، والبعض الآخر منهم يتجه للكذب ليغطي على فشله في إدارة جماعة ما أو قضية ما، وللأسف البعض يصدق هذه الأكاذيب ويروج لها.
والوجه الأهم للكذب هو علاقته بالأمراض، فقد تناولت إحدى الدراسات موضوع الكذب وعلاقته بصحة القلب، وذكرت أن هناك أضرارا صحية للكذب وفوائد صحية مرتبطة بالصدق والحب والصداقة والزواج ومشاعر الامتنان، مع الابتعاد عن الأخبار الكاذبة ومروجيها والتي تؤذي القلب ولا يستطيع التعاطي معها فتتسبب في أزمات صحية قد تصل إلى الوفاة، بخلاف الكوارث الاجتماعية التي تعود بالسلب على المجتمع.
إن المخاطر الصحية قد تكون بشكل كبير في تصديق اللامعقول من كاذب يفرض عليك الكذبة كأمر واقع، ثم يبلغ الأمر مداه في أن يصدق الكاذب كذبته فتكون النتيجة هي وصوله لمرحلة العزلة الاجتماعية، والكذب ـ وإن كان اشتهر في فئة معينة ـ إلا أن الأصل أنه لا يختار مروجيه من عناصر معينة من المجتمع، بل إن معظم الفئات وبمختلف ميولهم يدخلون تحت بند “الكاذبون” وإن منهم من يكذب لكي يتجمل ويشير إلى كذبته بالبيضاء، والكذب ليس له ألوان، أو أن هذه كذبة إبريل. وتأتي فئة الفنانين في الترتيب الثاني بعد السياسيين، فنجدهم يكذبون حسب مراحلهم المهنية والعمرية، فتكون تارة للتجمل أو بإذاعة إشاعة كاذبة عن تعرضه لمرض خطير أو اعتزاله الفن من أجل لفت الأنظار إليه والبحث عن العمل بعد أن ابتعدت عنه دائرة الاهتمام والمشاهدة في محاولة لجذب الجمهور فتذكرهم بوجودهم بعد أن خفتت عنهم الأضواء، والسياسيون الكاذبون يتصدرهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد أن رصدت الصحافة الأميركية له 1628 بيانا مغلوطا أو مضللا صدر عنه في العام 2017 بمعدل 5.5 ادعاء كاذب في كل يوم. ووفقا لدراسة أجرتها الواشنطن بوست الأميركية فإن ترامب يكذب بمعدل بلغ 4.6 كذبة يوميا، وخلال الستة أشهر الأولى من حكمه أدلى بـ836 تصريحا كاذبا، وفي أول 100 يوم من حكمه، بلغ متوسط أكاذيبه 4.9 يوميا ووصل عددها الإجمالي إلى 492. ليكون هو أشهر الرؤساء كذبا.
ولأن العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة لهما آثار قد تتفاقم بين الأشخاص الكاذبين والمعادين للمجتمع، فقد شرع الباحثون في تحديد مقدار المخاطر التي يمكن إلقاء اللوم فيها على الأسباب الاجتماعية بالضبط، وللقيام بذلك قاموا بمسح ما يقرب من 480000 من البالغين عن حياتهم الاجتماعية، والشعور بالوحدة، والتاريخ الطبي وعادات نمط الحياة. كما قاموا بقياس مقاييس الصحة بما في ذلك الطول والوزن ومؤشر كتلة الجسم وقوة القبضة. ثم تم تعقب المشاركين لمدة سبع سنوات.
وبعد حساب العوامل البيولوجية والصحية والاجتماعية اتضح أن معظم المخاطر الزائدة كالعزلة الاجتماعية أو الإفاقة على كذبة أو مؤامرة لأشخاص يملكون مقومات اتخاذ القرارات المؤذية ومنها إخفاء الحقيقة وما يتبعها من قرارات تضر بشدة حياة أشخاص أبرياء يمكن أن تعزى إلى عوامل الخطر المعروفة والتي في كثير منها تحدث إصابات تؤدي إلى الوفاة.
وللبحث عن حلول للكذب وجد كثير من النتائج أن الحفاظ على العلاقات الشخصية مع أشخاص موثوق بهم ولا يكذبون، والابتعاد عن المنغصات المعيشية بعدم سماع الأخبار الكاذبة أو القرارات الصادمة يمكن أن يكون أحد الحلول لتفادي الآثار السلبية لمروجي الشائعات الكاذبة.