وجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رسالة تحذير واضحة إلى الحكومة الإثيوبية، خلال مؤتمر صحافي مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، في القاهرة. وتأتي هذه الرسالة على خلفية توقيع أديس أبابا لاتفاق مع إقليم أرض الصومال الانفصالي، في بدايات شهر كانون الثاني (يناير) الجاري، يتيح لإثيوبيا الاستفادة من ميناء بربرة الصومالي، وبناء قاعدة عسكرية على البحر الأحمر بطول 20 كليومتراً.
وقال السيسي خلال المؤتمر، الذي عقد بعد لقاء جمعه بالرئيس الصومالي في قصر الاتحادية في العاصمة المصرية، الأحد، موجهاً حديثه للإثيوبيين: “لن نسمح أن يهدد أحد الصومال، ولن نسمح أن يمسّ أحد الصومال، وأنا أقول هذا الكلام بمنتهى الوضوح، لا يجرب أحدٌ مصر ويحاول أن يهدد أشقاءها، خصوصا لو طلب أشقاؤها أن نكون موجودين معهم”
وجاء الاتفاق الذي وقعته حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد مع الإقليم المنشق عن الصومال، ليزيد حدة التوترات بين القاهرة وأديس أبابا، فلم تعد سياسات الحكومة الإثيوبية تهدد المصدر الرئيسي للمياه في مصر (نهر النيل) فحسب، بل باتت تشكل تهديداً إضافياً محتملاً على قناة السويس، والتي انخفضت عائداتها بنسبة 40 بالمئة، على إثر الهجمات التي يشنها الحوثيون في اليمن ضد السفن المارة في مضيق باب المندب.
وأكد مصدر مطلع – رفض الإفصاح عن هويته – لـ”النهار العربي” أن القاهرة كانت تسعى قبل نحو 5 سنوات لبناء تحالف عسكري مع مقديشو، لكن الحكومة الصومالية أخذت في الاعتبار رد الفعل الإثيوبي، لذا لم يتم التحالف، في ذلك الوقت. ويرجح الخبراء الذين تحدثنا إليهم أن المتغيرات الجديدة، سوف تسهم في بناء تعاون عسكري وأمني قوي بين مصر والصومال، يهدف لحماية الأراضي الصومالية، ويساعد على ترسيخ سلطة الحكومة المركزية في مقديشو، وكذلك يشكل نقطة ارتكاز عسكرية على حدود إثيوبيا.
وتقول مستشارة مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتورة أماني الطويل، وهي خبيرة فى الشؤون الأفريقية، لـ”النهار العربي” إن “تصريح الرئيس السيسي ليس مجرد تصريح سياسي، ولكنه تعبير عن جدية السياسات المصرية (حيال هذه الأزمة)، في ضوء أن العلاقات المصرية – الصومالية تعود لآلاف السنين، فقد كان قدماء المصريين يطلقون عليها بلاد بونت، ومن ثم فهي علاقات سياسية وتاريخية”.
وتلفت الطويل إلى أن “الصومال هي دولة حيوية بالنسبة لكافة الدول العربية، ولأمن البحر الأحمر، وهي عضو في جامعة الدول العربية، لذا اعتقد أن طلبها من مصر (بالتدخل) سوف يكون محل تنفيذ”.
تعود العلاقات بين مصر والصومال (بلاد بونت) إلى عهد قدماء المصريين
تهديد للاستقرار
يقول السفير إبراهيم الشويمي، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق للشؤون الأفريقية لـ”النهار العربي”: “اتفاقية الدفاع المشترك التي وقعتها مصر مع الجامعة العربية نافذة، وقد أعلن الرئيس السيسي من قبل أن الأمن القومي العربي هو جزء من الأمن القومي المصري”.
ويضيف الدبلوماسي المصري: “من الواضح أن مصر تقول إنه لا يمكن توقيع اتفاق مع جزء من الصومال، لأن جمهورية أرض الصومال غير معترف بها دولياً. الاتفاقية التي وقعتها إثيوبيا مع أرض الصومال غير قانونية، ولا تنطبق مع قواعد القانون الدولي، وهذا يؤدي إلى عدم الاستقرار ويهدد الإقليم كله”.
ويؤكد الشويمي أن “مصر تود أن ينتهي الأمر بطريقة سلمية”، مستدركاً “لكن إذا لزم الأمر، فإنها قد تلجأ إلى تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك، وتستند لقرارات الاتحاد الأفريقي، والمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تبيح حق الدفاع عن النفس. إن الصومال دولة عربية وأفريقية مثل مصر، وأمنها من أمن القاهرة”.
وقعت إثيوبيا وأرض الصومال اتفاقية غير قانونية لأن الإقليم غير معترف به دولياً
ركيزة عسكرية
ويرى وكيل المخابرات العامة المصرية السابق اللواء محمد رشاد أن زيارة الرئيس الصومالي لمصر سيترتب عليها دعم عسكري. ويقول في حديثه لـ”النهار العربي”: “لا بد أن تبحث مصر عن ركيزة لها في هذه المنطقة، بعدما دخل السودان في أتون الحرب، وأثقلت دولة جنوب السودان بالكثير من الأعباء والمشكلات. هذه الركيزة ستحقق حماية لأمن الدول العربية ومصر، وستشكل ضغطاً على إثيوبيا، لتمنح الدول العربية حقوقها، ولا سيما الحقوق المائية الخاصة بالقاهرة والخرطوم، وتمنع أديس أبابا من التغول على حقوق العرب”.
ويضيف المسؤول الاستخباراتي السابق: “المفاوضات مع إثيوبيا لم تجد نفعاً، لذا أعتقد أنه لا بد من وجود أوراق ضغط عسكرية أكثر عليها، حتى تنفذ ما تم الاتفاق عليه في اتفاق إعلان المبادئ بشأن مشروع سد النهضة، الذي تم توقيعه في عام 2015 بين مصر والسودان وإثيوبيا”.
ويؤكد رشاد على فكرة أن “أمن الدول العربية بالنسبة لمصر، هو موضوع بالغ الأهمية”، ويشير إلى أنه “فيما يخص الصومال وإثيوبيا، فإن ثمة تخوفاً من أن إثيوبيا تتغول ويتعاظم دورها في أفريقيا، ولا تخضع للنظام والقوانين الدولية”.
ويلفت إلى أنه “حين ننظر إلى تعامل أديس أبابا الأحادي والمتعنت في مسألة سد النهضة، وكذلك مساعيها للسيطرة على ميناء بربرة المطل على البحر الأحمر، باتفاق غير قانوني مع أرض الصومال، ندرك مدى خطورة ما تفعله على الأمن والاستقرار الإقليميين، وتهديدها لدول عربية”.
ترفض مصر انتهاك سيادة الصومال على أراضيها ومحاولة السيطرة على جزء منها
الضغط على إثيوبيا
وتقول الطويل إن “الاعتداء على سيادة الدول ومحاولة الاعتراف بانفصال جزء من أراضيها، هو محل رفض راسخ في الوجدان الشعبي والرسمي للمصريين، فقد جبلنا على وحدة التراب الوطني. إنه موقف تاريخي واستراتيجي”.
وتضيف: “مصر تضغط على المصالح الإثيوبية، لأن أديس أبابا لا تعنى بالمصالح المصرية، في ما يتعلق بسد النهضة ومياه نهر النيل، وهي مصالح بالغة الحساسية بالنسبة إلى مصر”.
وترى مستشارة مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن “إثيوبيا يمكن أن تزيد الأوضاع تأزماً في البحر الأحمر، فهي دولة لها علاقة صراعية مع مصر، ومن ثم يمكن أن تصبح عاملاً إضافياً في زيادة التوترات في البحر الأحمر على الصعيد الأمني، وهي مسألة مؤثرة على أمن مصر ومصالحها في ما يخص الملاحة في قناة السويس”.
وتشير إلى أن “الصومال دولة متاخمة لإثيوبيا، وقد حاولت أديس أبابا السيطرة عليها من قبل، ولم تسفر سياساتها عن تحجيم تنظيم الشباب (حركة شباب المجاهدين)، ولا عن دعم الصومال في أي مجال، لذا فإن مصر تسعى إلى تعزيز الحكومة المركزية في مقدشيو، والتعاون معها في كافة المجالات”.