أمريكا زرعت وإيران حصدت

4

 

منذ عام 2003، حين قادت الولايات المتحدة غزو العراق لإسقاط نظام صدام حسين، برزت تساؤلات عديدة حول الهدف الحقيقي لهذا الغزو ودوره في صياغة مستقبل العراق. لم يكن إسقاط النظام السابق مجرد عملية عسكرية بحتة؛ بل تبعته عملية سياسية معقدة أسفرت عن تأسيس نظام جديد يعتمد على المحاصصة الطائفية والإثنية، وهو نظام يُنسب بشكل مباشر إلى الإدارة الأمريكية.

 

التأسيس الأمريكي للنظام السياسي

بعد الغزو، تولت سلطة الاحتلال الأمريكي، بقيادة بول بريمر، إدارة شؤون العراق. وتم وضع أسس النظام السياسي الجديد من خلال صياغة الدستور العراقي في 2005. ركزت هذه العملية على تقسيم السلطات وفق نظام المحاصصة الطائفية والقومية، مما عزز الانقسامات الداخلية وأضعف الهوية الوطنية العراقية.

 

كما قامت الولايات المتحدة بحل الجيش العراقي والمؤسسات الأمنية، وهو القرار الذي أدى إلى فراغ أمني كبير، ساهم في صعود الجماعات المسلحة. ورغم تقديم الدعم الاقتصادي والسياسي للحكومات المتعاقبة، فإن التوجهات الأمريكية ساهمت في خلق نظام سياسي هش يعتمد بشكل كبير على الأحزاب التي لها ارتباطات خارجية، وخصوصًا مع إيران.

 

التراجع الأمريكي أمام النفوذ الإيراني

على الرغم من الهيمنة الأمريكية العسكرية والسياسية بعد الغزو، فإن النفوذ الإيراني تمكن من التغلغل بشكل أعمق وأكثر استدامة في المشهد العراقي. هناك عدة أسباب لتفوق إيران في التأثير:

1. الجغرافيا والتاريخ: القرب الجغرافي بين إيران والعراق وعلاقاتها التاريخية مع الأحزاب الشيعية التي كانت في المنفى أثناء حكم صدام حسين جعلها شريكًا طبيعيًا للكثير من القوى السياسية الجديدة.

2. دعم الميليشيات: إيران استثمرت بشكل مباشر في دعم وتدريب ميليشيات مسلحة أصبحت جزءًا لا يتجزأ من المعادلة الأمنية والسياسية في العراق، مما عزز نفوذها العسكري على الأرض.

3. غياب رؤية أمريكية طويلة المدى: بينما ركزت الولايات المتحدة على إدارة الأزمات قصيرة الأمد، مثل مكافحة الإرهاب، استطاعت إيران بناء علاقات طويلة الأمد مع القوى السياسية والعسكرية العراقية.

 

الأدوات الإيرانية مقابل الأدوات الأمريكية

 

بينما تعتمد الولايات المتحدة على نفوذها الاقتصادي والعسكري، مثل العقوبات أو التواجد العسكري المحدود، فإن إيران تستخدم أدوات أكثر تعقيدًا وتداخلًا:

 

التأثير الثقافي والديني: من خلال العتبات المقدسة والعلاقات الدينية، تمكنت إيران من بناء نفوذ شعبي وسياسي كبير داخل المجتمع العراقي.

 

الدعم الاقتصادي المباشر: رغم العقوبات المفروضة على إيران، فإنها تمكنت من خلق شبكات اقتصادية غير رسمية مع العراق، تخدم مصالحها الاستراتيجية.

 

الدعم السياسي: إيران تقدم دعمًا مستمرًا للأحزاب الموالية لها، مما يجعلها لاعبًا لا يمكن تجاوزه في تشكيل الحكومات العراقية.

 

الأثر على السيادة العراقية

اليوم، يواجه العراق تحديًا كبيرًا يتمثل في فقدان استقلالية قراره السياسي بسبب هذه التدخلات. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة أسست النظام الحالي، فإنها تبدو غير قادرة على منافسة النفوذ الإيراني العميق، ما يضع العراق في معادلة دولية وإقليمية معقدة.

 

لقد كانت الولايات المتحدة القوة المحركة وراء تغيير النظام السياسي في العراق، لكنها فشلت في ضمان استدامة نفوذها فيه. في المقابل، استفادت إيران من الأخطاء الأمريكية ومن تركيبة النظام الجديد لتصبح اللاعب الأكثر تأثيرًا في الساحة العراقية. وبينما يبقى العراق مسرحًا للتنافس الدولي والإقليمي، فإن استعادة سيادته تتطلب توازنًا داخليًا وإرادة وطنية تتجاوز التدخلات الخارجية، سواء كانت أمريكية أم إيرانية .

التعليقات معطلة.