أمريكا وتكلفة الحروبش

2

رشاد أبو داود- صحيفة البيان الإماراتية
   

 

قبل وفاته، قال الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر في اجتماع كنسي مخاطباً الرئيس دونالد ترامب: «أنت تخشى من أن تتقدم الصين علينا، وأنا أتفق معك، لكن هل تعلم لماذا تفوقت الصين علينا؟ لقد قمت أنا بتطبيع العلاقات مع بكين العام 1979، منذ ذلك التاريخ، هل تعلم كم مرة دخلت الصين في حرب مع أي جهة؟ ولا مرة، بينما نحن في حالة حرب باستمرار».
وتابع كارتر، الرئيس التاسع والثلاثون للولايات المتحدة الأمريكية، وفق ما جاء في مجلة «نيوزويك» “أمريكا هي الدولة الأكثر حروباً في تاريخ العالم، والسبب أنها تريد فرض حكومات تستجيب لتوجيهات حكوماتنا ولقيمنا الأمريكية، بينما الصين من جانبها تستثمر مواردها في مشاريع مثل السكك الحديدية، البنية التحتية والقطارات فائقة السرعة، وتكنولوجيا الذكاء الآلي والموانئ والمباني والجسور.
أما نحن فكم ميلاً من القطارات فائقة السرعة لدينا؟.
لقد أهدرنا 300 تريليون دولار على النفقات العسكرية لإخضاع الدول الراغبة في الخروج من هيمنتنا.
ماذا لو رصدنا 300 تريليون دولار لهيكلة البنى التحتية، الروبوتات، الصحة العامة، القطارات السريعة، الجسور التي لا تنهار، نظام تعليمي جيد مثل كوريا الجنوبية أو شنغهاي؟!”.

كارتر، الذي توفي في ديسمبر(كانون الأول) 2024 عن مئة عام، وصل إلى رئاسة أمريكا من مزارع الفول السوداني، التي كانت مهنة عائلته في ولاية جورجيا، وأصبح فيما بعد حاكماً للولاية، وأصبح ناشطاً في الحزب الديمقراطي، داعماً لحركة الحقوق المدنية، ورافضاً سياسة التمييز العنصري بعد خسارته انتخابات 1980 أمام رونالد ريغان.
تفرغ كارتر للأعمال الخيرية، وأنشأ مركز كارتر لتعزيز حقوق الإنسان، وحصل على جائزة نوبل للسلام، وكتب أكثر من ثلاثين كتاباً في مجالات المذكرات السياسية والشعر، وواصل التعليق على الشؤون الأمريكية والعالمية بما فيها الصراع العربي – الإسرائيلي، وفي عهده وقع السادات وبيغن أول معاهدة سلام عربية وإسرائيلية في «كامب ديفيد».
الحرب العالمية الثانية كلفت أمريكا وحدها أربعة تريليونات دولار- بعد تعديل التضخم بأسعار الدولار اليوم – واستنزف الإنفاق الدفاعي في آخر سنوات الحرب، التي استمرت ست سنوات، 40% من الناتج المحلي الإجمالي.
حرب العراق كلفت أمريكا ثلاثة تريليونات دولار، حسب دراسة أصدرها عام 2008 جوزيف ستيجلز الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد، وليندا بيلمز الأستاذة في جامعة هارفارد.
وكلف التورط الأمريكي في أفغانستان، الذي استمر عشرين عاماً، تريليوني دولار.
هذه حسابات التكلفة المادية بالدولار التي يحب الرئيس ترامب قياس كل شيء ومع كل أحد به، ناهيك عن الخسائر بالأرواح وارتدادات الحروب على الاقتصاد والمواطنين.
في الأيام الأخيرة للحرب الاسرائيلية على إيران، رفع ترامب سقف التهديد بالمشاركة الفعلية بالحرب، بجانب إسرائيل، وضرب منشآت إيران النووية، خاصة مفاعل فوردو بقاذفات «بي 52»، لكن كعادته عاد وخفض السقف، وربما يعود ويرفعه. لا أحد يدري!
إذا قرر ترامب المشاركة الفعلية في الحرب، سيسجل التاريخ أن نتانياهو ورط أمريكا في حرب طويلة سيكون لها أبعاد سلبية على أمريكا نفسها، وعلى الاستقرار في العالم.
ليت الرئيس ترامب يستمع لنصيحة كارتر، وأن يطلع على تكلفة الحروب التي قال إنه جاء ليطفئها.

التعليقات معطلة.