خيمت المخاوف من تكرار مأساة العاصفة “دانيال” التي ضربت ساحل شرق ليبيا في أيلول (سبتمبر) الماضي، على الأجواء في البلاد مع تعرضها منذ فجر السبت لمنخفض جوي بلغ ذروته الأحد، مسبباً ارتفاع منسوب المياه في الأودية وتكدسها خلف السدود التي تتجمع فيها المياه في المناطق الجبلية قبل أن تنحدر إلى المنخفضات. ضريبة الهدروفتح غرق شوارع العاصمة الليبية ومحيطها الجنوبي بسبب هطول الأمطار الكثيف الباب واسعاً للحديث مجدداً عن تهالك البُنى التحتية، رغم إنفاق مئات الملايين من الدنانير لتطويرها وتحسين حالتها. وتداول ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي فيديوات مصحوبة بتعليقات ساخرة بشأن مشاريع تأهيل الطرق والصرف الصحي التي أعلنت تنفيذها حكومة الوحدة الوطنية، ترصد تجمعات مياه كثيفة تسببت في قطع طرق رئيسية في طرابلس والمدن المحيطة بها، وطرق أخرى دمرها انجراف المياه القوي، بالإضافة إلى انقطاع الكهرباء في أحياء، فيما كان عمال الصرف يجهدون بإمكاناتهم المحدودة لمحاصرة الأمطار التي كانت تهطل بكثافة قبل أن تنتقل فجر الاثنين إلى مدن شرق ليبيا، وخصوصاً بنغازي. وأوضح مدير مكتب الإعلام في المركز الوطني للأرصاد الجوية محيي شعبان أن المنخفض الجوي بلغ ذروته في ساعات متأخرة من ليل السبت على منطقة طرابلس وضواحيها وجنوب طرابلس وبعض مناطق الجبل، وصولاً إلى ترهونة وبني وليد مسبباً جريان الأودية وتجمع المياه في الأماكن المنخفضة، مشيراً إلى أنه اتجه شرقاً مساء الأحد، إذ هطلت الأمطار بكثافة على مناطق مصراتة والخليج والهلال النفطي قبل أن يصل الاثنين إلى أقصى المنطقة الشرقية لينحسر بعدها ويعود الاستقرار إلى الأجواء الثلثاء. منخفض جوي يتمددوقال الناطق باسم مركز طقس العرب مهند العطيات إن المنخفض الجوي الذي تشكل على ساحل غرب ليبيا صباح السبت الماضي، أثر على المناطق الشمالية الغربية وبعض المناطق الوسطى، موضحاً لـ”النهار العربي” أن هذا المنخفض صاحبه انخفاض في درجات الحرارة وزيادة في سرعة الرياح، بالإضافة إلى سقوط أمطار رعدية في معظم المناطق. وأضاف أنه مع استمرار سرعة الرياح الباردة تشكل مساء الأحد منخفض جوي آخر أثر على المنطقة الشرقية الساحلية، خصوصاً مدينة بنغازي التي شهدت سقوط أمطار وانخفاضاً في الحرارة مع ارتفاع أمواج البحر، قبل أن تتراجع تلك الأحوال الجوية لتعود إلى الاستقرار بنهاية نهار اليوم الثلثاء. وقلل العطيات من تأثير هذا المنخفض الجوي على الحياة العامة، مؤكداً اختلافه من حيث قياسات سرعة الرياح وكميات الأمطار ومدة استمرار هطولها عن إعصار “دانيال”، الذي ضرب مدن شرق ليبيا الساحلية. وقال: “صحيح أن الظروف الجوية الحالية غير طبيعية لكنها متكررة في ذروة فصل الشتاء سنوياً، وتختلف تماماً عن العاصفة دانيال”.
أما الناطق باسم شركة الصرف الصحي محمد كريم فأكد إعلان حالة الطوارئ القصوى منذ صباح السبت في القطاعات كافة لمواجهة الظروف الجوية المتقلبة، مشيراً إلى تجمع المياه في طرق رئيسية في العاصمة، ما أدى إلى توقف حركة السير وفي بعض المناطق غمرت المياه المباني السكنية، عازياً ذلك إلى كميات الأمطار التي هطلت أكثر كثافة من قدرات شبكة الصرف. وإذ أكد كريم أن فرق الشركة تدخلت لصرف المياه وإعادة فتح تلك الطرق لفت إلى وجود معوقات، خصوصاً في مناطق جنوب العاصمة التي لا تتمتع ببنى تحتية مؤهلة. وأوضح أن البنى التحتية في العاصمة الليبية قديمة وقدرتها لا تستوعب كميات كبيرة من الأمطار، بالإضافة إلى أن ثمة توصيلات غير شرعية للصرف الصحي في بعض المناطق، وهناك معضلة أخرى تتمثل في أن بعض الأشخاص يلقون مخلفاتهم على منظومات الصرف، ما يؤدي إلى انسدادها، بالإضافة إلى سرقة أغطية الصرف والمواسير وبيعها في أسواق خردة المعادن. كما اشتكى من محدودية الدعم والإمكانات لمواجهة الأحوال الطارئة.
وكانت حكومة الوحدة الوطنية قد قررت منح إجازة رسمية في كل المؤسسات والمرافق العامة بسبب التقلبات الجوية، ودعت مديرية أمن طرابلس المواطنين في العاصمة إلى عدم الخروج من منازلهم إلا للضرورة بسبب الأمطار الغزيرة. وبالمثل قررت السلطات في الشرق الليبي، والتي لا تزال تسعى للملمة جراح مأساة “دانيال”، الأحد عطلة رسمية، خصوصاً في قطاع التعليم والمدارس “حفاظاً على السلامة في ظل التقلبات الجوية التي تشهدها البلاد”. كما طالبت السكان بـ”التعاون مع فرق الطوارئ ورجال الأمن والتقليل من حركة السير إلا للأغراض الطارئة”.