الحديث عن أمنيات السنة القادمة يرتبط بشكل أو بآخر مع معطيات السنة الماضية، فالامنيات لم تعد أحلاما، مثلما أنَّ المعطيات لم تكن تأسيسا على فراغ..هذا التلازم هي الذي سيجعل الزمن التاريخي لا ينفصل عن الزمن السياسي، ولا حتى عن الزمن الاقتصادي والثقافي، فالتفكير بالضرورات بات واقعا
والربط ما بين الامنيات والمعطيات ينبغي أنْ يكون أفقا لمشروع الدولة القادمة، ولإمكانية أن نستشرف من خلالها جملةً كبيرةً من التحولات الحقيقية، والتي ستجد بعض رهاناتها في الانتخابات القادمة..
الانتصارات الوطنية على الارهاب الداعشي هو جوهر مهم من تلك المعطيات، مثلما أنّ رهانات الـ(بعض) على تعويم العملية السياسية وتفتيت وحدة البلد، والعبث بأمنه وسيادته وثرواته فشلت، وصارت- كلها- جزءا من أوهام الجماعة اللادولتية، واضحت الرغبة واضحة لأنْ تكون الأمنيات أكثر واقعية، وأن تأسيسها لن ينفصل عن المعطيات، وباتجاه تحفيز كلّ الفعاليات الوطنية لكي تكون ترسيما لواقعٍ جديد، وزمنٍ جديد، وضمن سياقات عمل تتكامل أدواتها وخططها، وأنْ لا تظلّ فيها الامنيات محضَّ أحلامٍ كما كنّا نكررها كلّ سنة، وأنْ لا تذهب المعطيات الى المتحف كما يريد بعض السياسيين للأسف، وأنْ لا تكون دماء الشهداء خارج توصيف الالتزام بقيم التضحية والحق والايمان وبروح الوطن وحقيقة وجوده والدفاع عنه..
الزمن بوصفه برنامجا.. ضياع الزمن في الحروب هو واحد من مظاهر كوارثها، وصور للخسائر الكبرى التي يضيع معها الناس، والثروات والحقوق، وبما يعطّل كلَّ إرادة تبحث عن الحياة والأمل، واعادة الثقة بالذات الوطنية لأنْ تواجه تداعيات تلك الحروب، وأن تُوقف نزيفها..
مابعد الحرب ليست مرحلة سهلة، لاسيما حين يكون العدو بهذا التوحش والعنف والكراهية، وهو مايعني أنّ فاعلية المواجهة ستكون أكثر خطورة، وأكثر مدعاة للعقلانية والمهنية لإنضاج عوامل السيطرة، وعلى تبني خطاب، واجراءات ومواقف وسياسات وستراتيجيات تنطلق من الحاجة، لكن خطورتها تكمن في ربط تلك السياسات والستراتيجيات ببرامج واقعية، وقابلة للتنفيذ، وضمن أطرٍ زمنية ليست عائمة الزمن، فالزمن في الحرب ليس هو الزمن مابعد الحرب، إذ يتطلب الثاني فاعليات لازمة للإنقاذ والحماية وترميم الأمكنة/ المدن، وكذلك ترميم النفوس التي أخذت منها الحروب أمنها ووجدانها وحقوقها في الحياة والمعيش.. ومن الصعب فصل الزمن عن التعريف بالسياسة، وباجراءاتها وخططها وجماعاتها، فماجرى في العراق منذ اربعة عشر عاما وضع الزمن على الطاولة، وأخرج السياسة الى الشارع، وعبر تعويمات وصراعات عطلّت الزمن، وأفشلت السياسة، وهو ماينبغي فضحه، والحديث عنه بصوتٍ عال، فالواقع العراق لم يعد يتحمل هدرا في الزمن، مثلما فقد العراقيون صبرهم على تعطيب السياسة وافشالها، وفساد تحالفاتها وتوجهاتها عبر فساد بعض من السياسيين الذين حاولوا فرض اجنداتهم الاقليمية والدولية على الواقع العراقي وتعطيل ايّ جهد للتعبير عن
ارادة التغيير..
ربطُ السياسة بالزمن هو الأفقُ الذي نحتاج الحديث عنه ونحن قريبون من عامٍ جديد، إذ ليس ذا فائدة أنْ نتحدث عن أمنيات واحلام سريعة النسيان والذوبان، وبعيدة عن الواقع، وغير البعيدة عن النوايا، وعن الأوهام، وعن لعبة (اصطياد الفرائس) وإفشال كلّ المشاريع الستراتيجية عبر تعويمها بمشاريع محدودة الأثر، وغير ذي قيمة، فضلا عن كونها مجالا للفساد ولسرقة ثروات
البلاد..
ماينبغي التفكير به في المرحلة القادمة، والسنة القادمة، والتي ستشهد انتخابات وطنية جديدة هو التفكير باعادة ترتيب البيت السياسي العراقي، وبترصين بنائه القانوني والمؤسساتي التنموي والتعليمي، والرهان على قوى فاعلة، وقادرة على أنْ تنهض بأعباء المرحلة القادمة، مرحلة مابعد الانتصار على داعش، وأنْ تكون بعيدة- الى حدٍ ما- عن مهيمنات المحاصصة واوهام الصراع المدني والطائفي، وعلى وفق الحاجة الى البنية المؤسساتية الوطنية الجامعة، والتي يمكنها أنْ تحمي المجتمع من التشظي، وتقطع الطريق على اللصوص والفاسدين، فضلا عن عملها الكبير لمواصلة تحرير الارض من الارهاب، من خلال العمل على تحرير الانسان من عقد الماضي وحروبه وخيباته وخساراته، وحماية تنوع وتعدد مكوناته القومية والطائفية، فكلُّنا نتوق ونحن عند اعتاب السنة الجديدة أنْ تكون امنياتنا حقيقية، وأنْ لا تكون بعيدة عن ماتحقق على الأرض من انتصارات كبرى هي جوهر وجودنا الجديد وعلامة تحولنا باتجاه بناء الدولة القوية، الدولة التي تحمي الجميع..