أنا عراقي… وعمري تجاوز السبعين عامًا وحياتي لم تبدأ بعد

35

 

سبعون عامًا قضيتها بين حطام الأحلام وصخب الحروب وأصوات الوعود التي لم تثمر. أنا عراقي، عشت كل مرحلة من مراحل هذا الوطن، وكنت شاهدًا على تقلباته التي لا تنتهي. ومع ذلك، أجد نفسي اليوم في هذا العمر، أتساءل: متى تبدأ حياتي الحقيقية؟

طفولة حُرمت من البراءة

طفولتي لم تكن كأطفال العالم. كنا نحلم باللعب والحرية، لكن الحرب جاءت لتحاصر حتى خيالنا. سماء مليئة بالطائرات، وقلوب محملة بالخوف، ومقاعد دراسية تتحول إلى ذكريات مبعثرة. كنا نحمل أحلامًا صغيرة، لكن الزمن كان أسرع في سرقتها.

شباب ضائع في أروقة الأزمات

كبرت وأنا أبحث عن فرصة لأعيش حياة عادية، لكن كلما حاولت الهروب، كانت الأزمات تلاحقني. حروب طويلة، حصارات قاسية، وصراعات سياسية لا نهاية لها. في كل مرة كنت أقول: “سأبدأ حياتي بعد أن تنتهي هذه الأزمة.” ولكنها لم تنتهِ أبدًا.

كهولة وسط غبار الماضي

واليوم، وقد تجاوزت السبعين عامًا، أقف متأملًا حياتي. ما زلت أعيش في وطن يرفض الاستقرار. لم أتمكن من تحقيق طموحاتي، ولم أترك إرثًا يشبه أحلامي. حتى أبسط حقوق الإنسان، كالأمان والكرامة، أصبحت رفاهية في بلدي.

هل الحياة تبدأ بعد السبعين؟

ربما يبدو السؤال غريبًا، لكنني لا أملك إلا الأمل. هذا العمر علمني أن الإنسان قادر على البداية في أي وقت، مهما كانت الظروف. ربما لم أستطع تغيير مجرى حياتي في الماضي، لكن ما يزال لدي حلم بسيط: أن أرى وطني يتعافى، أن أرى الأجيال القادمة تعيش ما حُرمت منه.

رسالة أمل للأجيال القادمة

إلى كل شاب عراقي يقرأ هذه الكلمات: لا تفقد الأمل كما فعلنا نحن. قاتل من أجل أحلامك، وأخلق فرصتك بنفسك. العراق ليس مجرد جغرافيا، بل هو إرث عظيم يحتاج إلى أبناء يؤمنون بأنه يستحق الأفضل.

أنا العراقي: إرث النضال وجراح لا تندمل

في وطنٍ عتيق كالعراق، تلدك الأرض مفعمًا بالأحلام، لكنها سرعان ما تُثقل كاهلك بالأحزان. نحن العراقيين، أبناء الحروب والانتفاضات، نحيا بلا أملٍ واضح، لكننا نتمسك به بعنادٍ لا يُقهر، كما لو أن الأمل هو آخر ما يمكننا أن نخسره.

حياة بلا ملامح… وأمل يرفض الموت

نعيش في واقع لا يترك مجالًا للحياة. نحارب الفقر بالقناعة، والفساد بالصبر، والظلم بالأمل. كلما طرقنا بابًا للحياة، وجدناه موصدًا أو محروسًا بأيدٍ لا تنتمي لهذا الشعب. ومع ذلك، نستمر. ليس لأن الحياة سهلة، بل لأننا نرفض أن نهزم رغم كل شيء.

أحلام بحجم الوطن

أحلامنا ليست مستحيلة؛ نريد وطنًا يحتضن أبناءه، حيث لا يموت الطفل بطلقة طائشة، ولا تُشنق الأحلام بحبال الطغاة. نريد بلدًا لا يُعدم فيه الشرفاء ولا تُنفى فيه العقول. حلم بسيط بأن نعيش كما يعيش البشر، بلا خوف أو قهر أو اغتراب داخل وطننا.

جراحٌ تُنطق الحجر

جرح العراقي ليس كأي جرح. هو جرح الوطن كله، من دجلة والفرات إلى الأزقة المتهالكة التي تسكنها الأرواح المتعبة. إنه جرح أُمهات فقدن أبناءهن في الحروب، وآباء رحلوا قبل أن يروا أحفادهم، وشباب ضاعت سنواتهم بين قذيفة وحصار.

عنادٌ يثير الدهشة

ورغم كل هذا، نحن هنا. نقف في وجه الزمن كما لو كنا خالدين. نزرع الأمل وسط الخراب، ونغني للحياة في أحلك اللحظات. هذا العناد هو ما يجعل العراقي رمزًا للصمود، حتى لو كان الثمن أرواحنا وأجسادنا وأحلامنا.

رسالة وطن

إلى كل عراقي يشعر بالخيبة، إلى من يعيش بين ركام الطموحات، إلى من فقد الأحبة والأمل، تذكر أنك ابن حضارة علّمت العالم الكتابة. أنت حفيد أول من بنى مدينة وأول من غنّى للحب. لا تدع هذا الواقع يُطفئ شعلة العراق في قلبك .

نحن شعب يعيش بلا أمل، لكنه يتشبث به كما لو أنه الحياة نفسها. نحن العراقيين، أحياء رغم الجراح، وأحرار رغم القيود، وأبناء وطن سيظل، رغم كل شيء، حلمًا يستحق النضال من أجله.
سبعون عامًا قد مرت، وربما لن أعيش أكثر، لكنني سأظل أتمسك بحلم واحد: أن يبدأ العراق حياة جديدة، ولو بعد السبعين عامًا من الأزمات.

التعليقات معطلة.