لماذا تمسّك نتانياهو فجأة بمحور فيلادلفيا؟
24 ـ زياد الأشقر
يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو العثور على طريقة لوضع حد لتظاهرات الاحتجاج على سياسته في غزة، والتودد إلى وزراء اليمين المتطرف ومنع حماس من إعادة التسلح.
صار الممر أيضاً درعاً سياسياً
ومضى حوالي أسبوع على العثور على جثث 6 من الرهائن الإسرائيليين الذين كانت تحتجزهم حماس، بعدما أمضوا 11 شهراً في الأسر، وقُتلوا قبل ساعات من محاولة إنقاذهم.
وأثار هذا الحدث موجة من الحزن في إسرائيل، حيث أقيمت جنازات مؤثرة وتفشى شعور باليأس.
تذكير ب7 أكتوبر
وكتب ياكوف كاتس في صحيفة “التايمز” البريطانية، أنه بالنسبة لإسرائيليين كثيرين، كان الألم تذكيراً بهجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول)، عندما غزت حماس إسرائيل وقتلت 1200 وخطفت أكثر من 250 آخرين. ومع ذلك، فإن الغضب والإحباط لم يكن موجهاً هذه المرة فقط إلى حماس، وإنما في معظمه كان موجهاً ضد الحكومة الإسرائيلية.
وفي عيون الكثيرين، فإن الرهائن الستة جرى تجاهلهم من قبل قادتهم، الذين تركوهم يموتون في زنزانة لحماس.
وكان الرد سريعاً وشرساً، إذ نزل مئات آلاف الإسرائيليين إلى الشوارع مطالبين رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، إما بالتنحي أو منح الأولوية لإنقاذ الرهائن على أية سياسة أخرى.
مخاطر سياسية
ورأى الكاتب أن الضغط على نتانياهو واضح. وهو يدرك المخاطر السياسية، خصوصاً وأن اثنين من الرهائن القتلى وهما هيرش غولدبرغ-بولين وكارمل غات- باتا رمزين عالميين.
وفي محاولة للتخفيف من ردود الفعل، عقد نتانياهو مؤتمرين صحافيين نادرين، لإدراكه أن الفشل في مخاطبة الرأي العام قد يجر إلى عواقب سياسية قاسية.
ولكن حتى لو كانت صفقة الرهائن معقولة وعلى الطاولة، فإنها تواجه ثلاث عقبات كبيرة بحسب الصحيفة.
أولاً، هناك المسألة الأمنية. فبينما إنقاذ بقية الرهائن يعد أمراً حاسماً، فإن إسرائيل يجب أن تضمن أمنها على المدى البعيد. والصفقة المحتملة تتطلب من الجيش الإسرائيلي الانسحاب من ممر فيلادلفيا، الذي يمتد بين غزة ومصر. وتعتبر إسرائيل أن التخلي عن هذه المنطقة سيتيح لحماس معاودة التسلح وإعادة بناء قدراتها واحتمال توجيه ضربات مجدداً، وهو ما تراه مخاطرة استراتيجية كبيرة، بحجة أن إنقاذ الرهائن اليوم قد يعني المساومة على أمنها مستقبلاً.
ويتمثل التحدي الثاني في الثقة، فإسرائيل تلقت في السابق وعوداً لم يتم الوفاء بها. ففي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تم التوصل إلى وقف للنار على أساس تفاهم يقضي بإفراج حماس عن كل النساء والأولاد. لكن في اليوم الأخير، غيرت حماس الشروط بإحتفاظها بعدد من النساء، والخوف الآن أن تنكث حماس بوعدها مجدداً.
والعقبة الثالثة هي سياسية. إذ أن نتانياهو، على رغم سمعته كمتشدد، فإنه الأكثر اعتدالاً في ائتلافه الحكومي. وقد أبدى اهتماماً باتفاق محتمل، لكنه يواجه تهديدات من الداخل. فقد أكد وزيرا اليمين المتطرف بتسلئيل سموتريتش وإيتامار بن غفير بوضوح أنهما سيسقطان حكومة نتانياهو في حال وافقت على وقف للنار لا يشمل القضاء على حماس، وضمن هذا الإئتلاف، فإن النقاش في صفقة من الممكن أن يكون ضربة قاضية لنتانياهو.
قيمة استراتيجية
ويتساءل الكاتب: “لماذا أصبح ممر فيلادلفيا قضية بهذه الأهمية؟” ويجب قائلاً: “رغم أهمية المحور الاستراتيجية إلا أن نتانياهو جعله درعاً سياسياً، فمن خلال التركيز على أهميته، يمكنه تبرير تعطيل صفقة قد تبدو تنازلاً لحماس، وهو موقف يلقى دعماً واسعاً بين قاعدته اليمينية التي تفضل تدمير حماس بالكامل على إعادة الرهائن فوراً”.
ويضيف الكاتب “مع ذلك، يتزايد الشعور بالغرابة حول موقف نتانياهو. طوال الفترة التي شغل فيها منصب رئيس الوزراء منذ فبراير 2009، باستثناء 18 شهراً، شنت إسرائيل ثلاث عمليات كبيرة في قطاع غزة، لكنه لم يرسل قوات إلى القطاع إلا مرة واحدة ولم يكن ممر فيلادلفيا جزءاً من تلك العمليات، وبدلاً من ذلك، كان نتانياهو وراء سياسة احتواء حماس، في محاولة للحفاظ على هدوء مؤقت، ولكن تبين لاحقاً أن هذه السياسة كانت قصيرة النظر وكارثية”.
وستظل ندوب هذا الصراع ماثلة، الأمر الذي يجعل من المستحيل تقريباً تصور مستقبل من السلام أو إعادة الإعمار ــ ليس فقط بالنسبة لإسرائيل، بل وأيضاً لغزة والعلاقة الأوسع بين الإسرائيليين والفلسطينيين.