بقلم : غالب قنديل
الإقامة المديدة لديفيد ساترفيلد لم تكن محصورة فحسب بالتفاوض مع المسؤولين اللبنانيين حول حقوق لبنان البحرية والجدار الصهيوني الحدودي الذي ينتهك نقاطا لبنانية على الخط الأزرق فخارطة اللقاءات التي عقدها المسؤول الأميركي الذي قاد بوصفه سفيرا حملة تدخلات لحكومة بلاده في لبنان قبل سنوات تخطت حدود هذه الأمور وأبقيت في الظلال دون إعلان وهي بمثابة استكشاف لفرص التدخل في الانتخابات اللبنانية.
بعد مغادرة ساترفيلد وتبلور حصيلة مهمته الاستكشافية يأتي الموفد السعودي نزار علولا ومهمته لبنانية صرف تتعلق بالانتخابات ووجهة التدخل السعودي السياسي والمالي تتمحور على استهداف حزب الله ومحاولة تخريب تحالفاته السياسية التي يعتبرها الأميركيون جزءا من حصانته السياسية في المعادلة اللبنانية وعقبات جدية تربك محاولات استهداف الحزب او الضغط عليه في الداخل اللبناني.
شكل اعتماد قانون الانتخاب النسبي في لبنان وفق التقديرات الأميركية نذيرا بتحول سياسي تعتبر التوقعات الأميركية انه سيكون لصالح غالبية نيابية داعمة للمقاومة وعابرة للطوائف تتجمع من خلالها مجموعة من القوى والأحزاب والشخصيات المتفقة على دعم المقاومة واعتمادها شريكا للجيش اللبناني في الدفاع عن الوطن والتي يجمع بينها اعتقاد عميق بضرورة التعاون مع سورية وإيران وروسيا وعدم الخضوع للضغوط الأميركية السعودية المانعة التي تم التكيف معها سياسيا عبر مفهوم النأي الذي تحول نأيا عن مصالح لبنانية امنية واقتصادية وسياسية وحشرا للموقف الرسمي في خانة الغرب والسعودية على حساب تلك المصالح.
ما يخيف المتابعين في واشنطن وتل أبيب هو خطر انضمام لبنان والعراق إلى محور المقاومة بعد اندحار العدوان على سورية وفي اعقاب الانتصار على داعش ولذلك وضع البلدان المتحفزان لانتخابات تشريعية في مواعيد متقاربة تحت مجهر التدخلات الأميركية والسعودية الهادفة إلى منع حدوث تغيير استراتيجي بنتيجة الانتخابات من خلال تغيير سياسي يقرب الحكومة الجديدة في بيروت او بغداد من دمشق وطهران وموسكو لأن ذلك سيعني قيام كتلة إقليمية مناوئة للنفوذ الأميركي السعودي.
التدخل الأميركي كما السعودي في الانتخابات اللبنانية يتم بواسطة المال السياسي والتأثير في التحالفات الانتخابية لاختبار فرص استرجاع زخم تحالف الرابع عشر من آذار ولكن الحقائق السياسية لا تخدم هذ الرهان المتخيل فقوة الاستقطاب المذهبي والطائفي تراجعت مؤخرا وصورة حزب الله في ملف الحقوق النفطية البحرية كانت كما لخصها الخبراء الصهاينة هي صورة “حزب الله حامي لبنان وحقوقه” فقد اعترف المسؤولون في تل أبيب بأن معادلات الردع التي رسمها امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله تجبر إسرائيل على عدم السير في خط التهديد بالحرب واعتماد أسلوب التفاوض بالواسطة الأميركية الذي جسده ساترفيلد ولم يفلح من خلاله في دفع الحكومة اللبنانية إلى تقديم تنازلات وهو ما يضع إسرائيل امام خيارين مرين فإما الرضوخ للموقف اللبناني والتعايش مع مباشرة العمل في البلوكين الثامن والتاسع وإما التورط في حرب لا يملك القادة الصهاينة القدرة على التحكم بمسارها او تحمل كلفتها المركبة والجسيمة.
التدخل السعودي يستكمل مساعي ساترفيلد في السعي لحلف يعادي حزب الله بصورة أشد رعونة من خطاب الرئيس الحريري وتيار المستقبل الحالي ويركز الضغط على التيار الوطني الحر لحشره في تحالف مع القوات اللبنانية والمستقبل الذي يلوح له السعوديون بفرص ختم التصدعات التي أصابته بتحريض سعودي وبدعم الرياض للمتمردين على زعامة الحريري ممن يتهمهم رئيس الحكومة بأنهم غدروا به وخانوه خلال اعتقاله في الرياض الذي امتنع عن الغوص في وقائعه وتفاصيله بأي شكل كان منذ عودته بكفالة الرئيس الفرنسي ماكرون.
كان من الصعب توقع هذا الاهتمام الكثيف بانتخابات لبنان لولا وجود المقاومة والحجم السياسي للمدافعين عنها في الواقع اللبناني ولولا مفاعيل النظام النسبي الذي ينهي احتكار تمثيل الطوائف ويحقق مقدارا أعلى من عدالة التمثيل السياسي في مجلس النواب وحيث يسود غموض كبير التوقعات ويحتمل ظهور مفاجآت غير سعيدة للغرب وإسرائيل .
ما نقل عن لقاءات ساترفيلد يشير إلى تهويل كبير بما سيفرض على المقاومة من عقوبات وقدد هدد بأنها ستطال كل من يدعم المقاومة ويتعاون معها من اللبنانيين وفي حين يلوح الأميركي والسعودي بهذه العصا يعرضون جزرة تمويل الانتخابات ووعودا سخية اخرى علهم يقيمون جبهة متراصة ضد حزب الله الذي حسم بتحالفه مع حركة امل جل معاركه الانتخابية رغم كل ما يثار وما يشاع من رهانات متورمة على إزعاجه انتخابيا وحيث تتركز المساعي السعودية والأميركية على دعم مناوئي خيار المقاومة بأي ثمن إعلاميا وسياسيا وماليا.