لم تكن الأردن وإيطاليا والكويت هي الدول الأكثر تغييرا للحكومات خلال العشر سنوات الأخيرة، يبدو أن إسرائيل لحقت بهذا الركب، فخلال العامين المنصرمين عقدت ثلاثة انتخابات عامة في اسرائيل (مارس 2020، سيتمبر 2019، ابريل، 2019)، ومن الواضح أن إسرائيل مرشحة لانتخابات رابعة قادمة عامة، حيث صوت الكنيست الاسرائيلي قبل عدة أيام بالقراءة التمهيدية على حل نفسه تمهيدا لانتخابات قادمة، وحظي القرار بتأييد 61 نائبا بمن فيهم ائتلاف أزرق أبيض مقابل 54 صوتا عارضه.
وحسب القوانين الأساسية في الدولة العبرية، فانه إذا تم إقرار التصويت بالقراءة الثالثة وهو أمر متوقع، فإن انتخابات قادمة ربما تجرى في أيار أو حزيران المقبلين على أبعد تقدير. وفي النتيجة، فإن أربعة انتخابات مرت وستمر على إسرائيل خلال العامين المنصرمين تشير بشكل واضح الى ضعف الاستقرار السياسي في النظام السياسي الإسرائيلي.
في الواقع هنالك عدة عوامل أدت وتؤدي الى ضعف الاستقرار السياسي في إسرائيل، ومنها طبيعة النظام الانتخابي النسبي المستخدم في قانون انتخابات الكنيست، والذي يتيح للأحزاب الصغيرة التي تتجاوز نسبة الحسم (3.25% من الأصوات) أن تدخل في عملية تحويل الأصوات الى مقاعد، وهو الأمر الذي يعقد الخارطة السياسية في أي كنيست؛ بحيث تجعلها تتكون من عدد كبير من الأحزاب الكبيرة والصغيرة (على سبيل المثال في انتخابات الكنيست الـ 23 حصلت 8 أحزاب وقوائم انتخابية على مقاعد تشريعية، وغالبية هذه الأحزاب هي تحالفات بين أحزاب صغيرة وليست أحزابا متماسكة).
وبالضرورة، فإن مثل هذه الحالة الانتخابية المتشكلة ستضعف من قدرة أي من الأحزاب الكبيرة على الحصول على أغلبية مقاعد الكنيست دون اللجوء الى فكرة الائتلافات التي تجعل بدروها أي حكومة إسرائيلية هشة، لأنها تستند في الأساس الى تحالف مع عدد كبير من الأحزاب والقوائم.
أما العامل الثاني الذي يفسر عدم الاستقرار السياسي في إسرائيل فهو يكمن في إصرار نتنياهو على التهرب من الملاحقة القضائية، وذلك من خلال منع غانتس من تبوء منصب رئيس الوزراء كما كان متفقا عليه في اتفاق الائتلاف، إضافة الى طلبه المتكرر للحصانة السياسية لمنصب رئيس الوزراء تجاه المثول أمام محكمة العدل الإسرائيلية، ومحاولته المستمرة تعطيل سيرورة العملية القضائية الرامية الى محاكمته تحت حجج متعددة منها الوضع الأمني والانتخابات وكورونا وغيرها.
ومن جانب ثالث، فإن التغير المستمر في بيئة التهديد والتعاون المحيطة بإسرائيل يقلل من مناعة الحكومات الإسرائيلية أمام هذه التغيرات، حيث يعتمد استقرار أي حكومة إسرائيلية على طبيعة التفاعلات في البيئة الأمنية الإسرائيلية سواء في علاقات التهديد بالفلسطينيين أو حزب الله أو إيران، وكذلك الأمر بالنسبة لعلاقات التعاون المترقبة مع الولايات المتحدة تحت إدارة جديدة هي إدارة بايدن. وبالضرورة، فان التغيرات الواسعة والمستمرة في هذه البيئة المحيطة بإسرائيل تؤدي باستمرار الى تراجع وتيرة الاستقرار السياسي في إسرائيل. وهو ما يمكن ملاحظته جليا في نتائج تقرير البنك الدولي حول حوكمة السياسات في دول العالم، والتي أعطت مؤشرات تراجع واضحة لإسرائيل في هذا الحقل.
من التحليل السابق، نستشرف استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي في إسرائيل في الأمد القريب والمتوسط. فالأغلب أن نتنياهو لن يغيب عن المشهد السياسي في إسرائيل كما يتوقع المحلل في الشأن الاسرائيلي عادل شديد، فهو الأقوى في الليكود وفرص تحالفه مع القادم بقوة الى الكنيست القادمة نفتالي لبيد (ائتلاف يمينا) ستكون قوية.
من هنا، وكما يقول آفي يسخاروف في صحيفة “معاريف” إن احتمالات فوز الليكود بأكبر المقاعد ستكون عالية إذا ما حدثت الانتخابات في الربع الأول من العام القادم، حيث سينجح نتنياهو كما هو متوقع باستيراد تطعيم كورونا وإيقاف انتشار المرض وإنعاش الاقتصاد. وبالضرورة، فإن استمرار حالة ضعف الاستقرار السياسي هذه، مع تعقد الخارطة السياسية في إسرائيل، ستؤدي الى ضعف كفاءة النظام السياسي في إدارة الملفات الاستراتيجية لا سيما الملف الايراني.
صحيح أن نتنياهو قصد من اغتيال العالم النووي الإيراني “زاده” توجيه رسالة قوية الى بايدن بأنه صاحب الكلمة الأولى في الملف الإيراني، وأنه لن يرحب بتاتا بعودة ترامب الى اتفاق 5+1 مع ايران كما يقول محلل الشؤون العربية في “هآرتس”، تسفي برئيل، الا أن بايدن الذي سيعيد على الأغلب اتفاق 5+1 مع إيران مع بعض التعديلات لن يأبه بتحفظات نتنياهو، ولن يوفر مساحة كبيرة للأخير بالانفراد في التعامل مع هذا الملف الحساس للمصالح العليا للولايات المتحدة.
ومن زاوية أخرى، فان استمرار نتنياهو في الحكم للعامين القادمين سيؤدي بشكل أو بآخر الى غياب تحولات مهمة في الموقف الإسرائيلي الرافض لأي تسوية “عادلة” مع الفلسطينيين. وفي السياق، لا يتوقع أن يحدث انفراج في الموقف الإسرائيلي تجاه عملية السلام، وعلى أكثر التوقعات تفاؤلا، ربما يتم تجميد بناء المستوطنات في المناطق الأكثر حساسية تجاه حل الدولتين مثل سلسلة مستوطنات الغلاف الأمني الممتدة من بيت إيل شمالا الى معاليم أدوميم والخان الأحمر وحتى البحر الميت جنوبا. وربما يسفر الضغط الأميركي عن عقد جلسات تفاوضية برعاية الولايات المتحدة وبمشاركة الرباعية، وهي مفاوضات في جلها ستنتهي حتما بالتعنت الإسرائيلي. وبشكل عام، سيكتشف بايدن بأن كلمات سابقه الديمقراطي أوباما عن نتنياهو بأنه كاذب ومراوغ هي وصف حقيقي للأخير.