لا شك أن إسقاط الطائرة الأميركية المسيرة من قبل القوات الإيرانية قبل عدة أيام هو بمثابة تحول في مواقف وتصريحات الجانبين، وهو يشير إلى أن الأمور تسير في اتجاه المواجهة الاقتصادية والعسكرية إن لم يتم السيطرة عليها، وهذا التصعيد المتبادل يعد مؤشرا خطيرا في المنطقة خصوصا مع تعثر الطرق الدبلوماسية حتى الآن، فاشتعال الحرب في أي لحظة سيكون الخاسر فيها كل الأطراف. ومنطق القوة لا يبني بلدا أو سلاما ولا استقرارا ولا ازدهارا، ولن يبقى شيء على وضعه الراهن إذا اندلعت الحرب.
وبما أن سياسة السلطنة ودول الخليج العربية ترتكز على ثوابت معينة من أهمها تأييد مبدأ الحلول السلمية والحوار في مواجهة الأزمات والتوترات في المنطقة، فإننا نأمل من قادة هذه الدول الإسراع والتحرك لتقريب وجهات النظر بين واشنطن وطهران، قبل فوات الأوان، لأن الحلول العسكرية والحروب لها تبعاتها وما تتركه من نتائج جسام على الدول المتنازعة ودول الجوار.
ومن المعروف أن السلطنة كانت وما زالت تعطي الكثير من الأهمية لتحقيق السلام، وخصوصا عبر الحوار والمفاوضات لحل الخلافات بين الجانبين الإيراني والأميركي والوصول لنقطة التقاء وتوافق دون ضر أو ضرار، فالهدف هو تجنيب المنطقة ويلات وأضرار الحرب التي إذا اندلعت ستقضي على كل شيء، وقد تعيد المنطقة أو معظمها لنقطة البداية في التنمية والبناء والإعمار، وفي الوقت ذاته فإن أضرارها ستصل لخارج حدود المنطقة، فالتحركات والإعلان عن الرغبة في الحوار هو الحل السلمي والأمثل لمثل هذه النزاعات والتراشقات المتبادلة، وهو ما يستحق التشجيع والعمل من أجله.
فنحن اليوم أمام معضلة وأزمة حقيقية تفوح روائحها، وعلى أصحاب الرأي السديد والسياسة العقلانية والمواقف البعيدة النظر، سواء العربية أو الدولية أن يتحركوا لوقف هذا التصعيد والتصريحات الاستفزازية المتبادلة، وتجنيب المنطقة حربا أو توترا جديدا نحن في غنى عنه، وإيجاد الحلول السياسية مطلب مهم، والمؤكد أن الحكماء في المنطقة وأصحاب الإسهام الإيجابي في هذا المجال سيكون لهم دور حيوي وملموس في قادم الأيام.
لقد آن الأوان لدول مجلس التعاون الخليجي أن تكون على رأي وموقف متوافق بقدر الإمكان في هذا الاتجاه، وليس الانجرار للتصعيد وزيادة التوتر. فالحرب لها تبعاتها وأضرارها الكبيرة داخليا وخارجيا. المهم أن يكون هناك تحرك خليجي من أجل إطفاء النيران قبل اشتعالها، وأن يكون التفاوض والحوار هو المسعى الرئيسي من أجل استقرار المنطقة ورفاهية شعوبها وأمنها.
الواضح أن الانقسامات وتبادل التصريحات والتراشق الإعلامي لها دوافعها المعروفة خصوصا مع ازدياد واتساع الهوة بين الطرفين، ومن المؤكد أن التغييرات التي حدثت في عهد الرئيس الأميركي ترامب تدعو دول الخليج العربية إلى القلق، ولا يجوز أن تمر هكذا دون التوقف عندها ودراستها.
ومع الإلحاح الأميركي على التوقيع على اتفاق جديد مع إيران يمنعها من امتلاك سلاح نووي، وإصرار إيران على الالتزام بالاتفاقية الدولية الموقعة مع مجموعة (5+1) ورفع الحصار الأميركي المفروض عليها، وتبادل التراشق الإعلامي والتهم، إلا أن الطرفين يعلنان بين حين وحين رغبتهما للحوار، وهذه إشارة تشكل تباشير خير، خصوصا وأن هناك مبعوثا أميركيا للشؤون الإيرانية زار دول المنطقة، والمجتمع الدولي يعرف جيدا خطورة اندلاع حرب في الخليج فما بالك دول المنطقة.
بالطبع، نأمل أن تتراجع التهديدات والتحذيرات، وأن تتعامل كل الأطراف مع الموقف بنظرة أكثر هدوءا وحكمة نظرا لخطورة الوضع اقتصاديا على إيران ودول الخليج، لذا يتعين على دول المنطقة والغرب السعي للتهدئة والاستقرار وعدم الانجرار لإشعال أي حرب، فالتفاوض والحوار هما الحل الأمثل وليس الحرب أو البقاء تحت وطأة العقوبات الاقتصادية والتهديدات المتبادلة من الجانبين.
التفاؤل موجود رغم مؤشرات التشاؤم، ولكن هناك تباشير خير مخفية نترقبها بمد جسور الحوار بعد أن لمح وزير الخارجية الأميركي بومبيو لإمكانية المفاوضات مع إيران دون شروط مسبقة.. ودعوة إيران للدخول في مفاوضات مباشرة مع واشنطن من دون قيد أو شرط أحيانا يجعلنا نستبشر خيرا في قادم الأيام. فلا أحد بعيد النظر في عالم السياسة أو الاقتصاد، يتمنى الحرب رغم ارتفاع حرارة الصيف وسخونة الموقف.
أوراق الخريف: تباشير خير رغم سخونة الموقف
التعليقات معطلة.