أوراق الخريف: تطوير المحافظات والتنمية المستدامة

1

د. أحمد بن سالم باتميرا

تعد محافظات السلطنة الـ11 غنية بما تحتويه من كنوز أثرية وسياحية وزراعية وسمكية وجيولوجية وبنية تحتية وغيرها، مما يؤهلها لأن تشهد عمليات تنمية مستدامة من خلال الربط والتوازن والتكامل فيما بينها، بناء على خطة استراتيجية في إطار الرؤية المستقبلية “عمان 2040″، وبذلك يمكن أن تتوافر بيئة خصبة للاستدامة في معظم مجالات الحياة المجتمعية في الحاضر والمستقبل.
فالخطط تبنى على دراسة تفصيلية وإنتاجية وربحية، وبما أن تضاريس وجغرافية السلطنة تتسم بالتنوع وتتوافر فيها كل أنواع المناخ والبيئة والتربة، وكما أنها مرتبطة بطرق حديثة وموانئ، فإن من السهل جدا إيجاد تنوع سياحي وزراعي وتراثي واقتصادي، ومن السهل أن يكون هناك تميز لكل محافظة، مما يجعلها قادرة على جذب السياح والوافدين للسلطنة للاستمتاع بمناظرها الخلابة وبيئتها السياحية المتنوعة، ومنتجاتها الزراعية وثروتها الطبيعية، وكنوزها الأثرية الخالدة، دون مساس بالموروث الاجتماعي والعراقة العمانية الثرية بالعادات والتقاليد الحضارية.
ولا يمكننا حصر إمكانات المحافظات أو ما تتميز به كل واحدة منها عن الأخرى، إلا أننا نطرح القليل منها، فكيف لا؟ فمحافظة مسقط، القلب النابض والمركز التجاري وعاصمة السلام والوئام، هي محور التنمية وهي تملك صفات متعددة لتكون قلب التجارة والسياحة ومركزا للمؤتمرات والفعاليات بفضل سياسات السلطنة الثابتة والحكيمة، أما محافظة الداخلية فهي غنية بقلاعها ومساجدها وأفلاجها وبمواقعها السياحية ومرتفعات جبالها وزراعتها، وفي الباطنة هناك البحر وثرواته والمعادن والجبال والتمور وغيرها، وإذا اتجهنا نحو الشرقية نجد عبق السفن والتجارة وصيد الأسماك وتراث الأجداد ورحلاتهم البحرية وصناعة السفن، وعلى شواطئها الجميلة يمكن بناء وتطوير منتجعات سياحية حتى شواطئ محافظة الوسطى الشاسعة بتربتها الغنية وتنوع ثروتها السمكية وبحيراتها وموقعها الجغرافي وصحرائها الممتدة لتكون مركزا لتوليد الطاقة الشمسية، وفي محافظة البريمي زراعة القمح والاهتمام بالنخيل وغيرها، وتطويرها مما يجعل منها حلقة الوصل بين السلطنة ودول الجوار ومسكنا ملائما للزوار والعابرين. وفي مسندم حيث الموقع الخيالي والذي يحتاج لرؤية مختلفة سياحيا وإلى تنشيط التجارة واستثمار الإمكانات المتاحة في مختلف المجالات.
وفي محافظة الظاهرة هناك العديد من المشاريع التي تجعل منها ثروة وطنية، لكونها تتميز ببعض الخصال في الزراعة وغيرها، أما محافظة الفصول الأربعة، ظفار، فهي للسياحة عنوان، وللزراعة مكان، وللثروة السمكية فصول وأيام، وشواطئها ذهب للزائرين، وموقعها مكسب تجاري للمستثمرين، وعبق لبانها الفريد وبخورها سلعة غنية لا تقدر بالملايين، وعيونها المائية وطبيعتها تسر الناظرين، ولا ننسى جزرها الحلانيات التي يمكن أن تتحول لشاليهات ومنتجعات سياحية تزداد أهمية مع ربطها بالسفن السياحية التي تتحرك بين محافظة مسندم والمحافظات الأخرى وجزيرة مصيرة مستقبلا.
محافظاتنا كنوز، وكل محافظة تتميز بمقومات عن الأخرى، وبسواعد شبابنا ودعم الشركات المتوسطة والصغيرة سنرى مشاريع سياحية وتجارية وصناعية منتجة وناجحة في كل المحافظات دون تعقيد أو اشتراطات محطمة، فلا داعي للضمانات واجعلوا المشروع هو الضامن الأول والأخير مثل الدول المتقدمة، فقط نغير عقلياتنا وتفكيرنا، بالطموح والتفاؤل، وتخصيص مبالغ لتطوير المحافظات ودعم الاستثمار وتوفير المقومات الأساسية، وتأهيل المواقع الأثرية والسياحية، حتى يمكننا استقطاب مئات من الزوار والسياح لكل محافظة، ويكون للسياحة الداخلية أهمية ليستمتع المواطن في كل شهر بجمال وآثار ومقومات وكنوز بلاده الساحرة.
عمان غير، عمان لؤلؤة من ذهب وألماس، فالتركيز الآن في العهد الجديد على التكامل والترابط بين المحافظات وتسهيل الإجراءات وجذب المستثمرين والشركات الداخلية والخارجية، مما يمكننا من رؤية منتجعات عالمية لا تقارن ومولات لا تضاهى، ومنتجات بجودة عالية تتصدر من أسماك وخضراوات وفواكه وتمور ولبان وبخور وجلود وغزل ونسيج، وتجارة التجزئة ومصانع متعددة في الدقم وصحار وصلالة وصور وغيرها.
فالوضع الراهن يتطلب رؤية وتقييما شاملا لكل محافظة، ومن ثم العمل على تطوير مقوماتها وتحسينها بشكل يتناسب ويتناسق مع رؤية “عمان 2040″، وبذلك سنحقق الأهداف والتطلعات السامية لجلالة السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ بعد تفضله بإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة بتعيين محافظين وضم عدد من القطاعات الحكومية تحت راية المحافظ لتسهيل الإجراءات وتطوير المحافظات دون مركزية، وبالتالي التيسير لتحقيق النمو في المحافظات واستدامة التنمية بالولايات والمدن، وتوفير بيئة حضارية مستدامة وتحقيق التكامل الاقتصادي والتجاري والسياحي في البلاد، مع توفير فرص عمل مجزية للشباب الصاعد في كل المحافظات من خلال اقتراح السياسات المتعلقة بإعادة توزيع ثمار وعوائد التنمية في كل المحافظات الإحدى عشرة، ومعرفة الفرص المتاحة والناجحة لديها.
إن تطوير المحافظات يتطلب الاهتمام بكل مقوماتها وكنوزها من كهوف وعيون مائية ومبانٍ قديمة ومواقع أثرية وسياحية وشواطئ و..و، فالمنهج الثابت هو السعي نحو التنمية الشاملة المتكاملة والمتوازنة في كل المحافظات، فخلال الخمسين عاما الماضية حققت السلطنة تنمية متعددة لم تقتصر على محافظة أو ولاية دون أخرى، فهذا البلد الكبير بمساحته وطول شواطئه من ظفار حتى مسندم، حظي بالدعم والتطوير دون استثناء، ومع ذلك يحتاج اليوم للتخصيص والتكامل بين محافظاتها ليكون الدخل القومي والموارد المالية مطمئنة للأجيال الحالية والقادمة واحتياجاتها المتزايدة.
فالهيكل التنظيمي للمحافظات عليه أن يسهم في تجديد وتحديد هوية المحافظة، حيث يقدم كل محافظ رؤية ودراسة للتطوير، وتحديد الاختصاصات والاحتياجات لتكون المحافظة بها مدن يشار إليها بالبنان والازدھار الاقتصادي والسياحي وبها كافة الخدمات الضرورية، والحفاظ على التركیبة السكانية وبالطابع الخاص لكل محافظة، مما سيعزز من تنوع المشاريع المھمة والأسواق التقليدية ويجعلها الأكثر شهرة وجذبا للسياحة بشكل عام.
إحدى عشرة محافظة وإحدى وستون ولاية تندرج تحتها، وكل محافظة لها طبيعتها ومقوماتها الأثرية المادية وغير المادية وثرواتها الطبيعية وآثارها ومقوماتها العديدة، لو استغلت الاستغلال الأمثل لأصبحت بلادنا من أوائل الدول في السياحة، وتنعم بمزيد من الرخاء والنماء والغذاء، وقبلة سياحية للوافدين والسياح من كل حدب وصوب، ودولة قائمة على مصادر دخل متعددة على جميع الأصعدة من خلال السعي لتنويع الدخل واستقطاب الاستثمارات العالمية، وجذب رؤوس الأموال لداخل السلطنة مع التركيز في المقام الأول والاهتمام بالمبادرات الشبابية والمجتمعية، مما سيكون لدينا في النهاية مردود إيجابي لكل محافظة عمانية.
الفرص الاستثمارية واعدة ومتعددة في معظم المحافظات وما زالت لم تستكشف بشكل كامل حتى الآن، وربما لم تتطور للمستوى المطلوب، فالحفاظ على الماضي يتطلب مواكبة الحاضر، مع التركيز على مكامن التميز لكل محافظة لتكون ذات جدوى وقيمة اقتصادية تسهم في دعم الناتج المحلي للسلطنة.
وعلى سبيل المثال، يمكننا إنشاء أكبر مزرعة سمكية في الشرق الأوسط على أحدث النظم العالمية، لكوننا نملك خلجانا وخيران وبحيرات متنوعة وجزرا، ويمكننا أن نكون من أكبر الدول في تصدير اللحوم والألبان ومشتقاتها، ويمكننا إيجاد أفضل المنتجعات العالمية في بلادنا، كما أن هناك الكثير من المشاريع التي لا مجال لذكرها، فالرؤية المستقبلية “عمان 2040″ التي ستبدأ العام القادم تحمل إصلاحات شاملة في القطاعات التنموية، ومنها تطوير المحافظات بشكل يتلاءم مع الإمكانات والمزايا السياحية والاقتصادية والاجتماعية.
فالارتقاء بالمستوى المعيشي لأي مجتمع يتطلب استكشاف فرص الاستثمار في البلد أولا مثل المعادن والصناعات الخفيفة والمتوسطة، وهو أمر ضروري للسير نحو تحقيق أهداف خطط وبرامج التنمية الشاملة دون إهدار للموارد الطبيعية في كل محافظة، مع أن حوكمة المحافظات عملية غاية في التعقيد، ولكن اليوم الإنتاجية والاستدامة المعيشية تتطلب التكامل والتجانس بين الماضي والحاضر ..
لذا نحن أمام خريطة طريق تستهدف تحقيق تنمية مستدامة لا تعتمد على النفط والغاز، وتسعى إلى القضاء على العوائق المجتمعية لتكون عمان الأكثر تطورا وتقدما في كل المجالات.. والله من وراء القصد.

التعليقات معطلة.