أوكرانيا للروس وغزّة لإسرائيل

1

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C

بيار عقيقي

تحوّل الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى مانح للأراضي في الأسبوع الثالث من ولايته الثانية في البيت الأبيض. غزّة لإسرائيل أو للولايات المتحدة أو لأي طرف في العالم، إلا الفلسطينيين. كذلك، قرّر الاعتراف بسيادة روسيا على أراضٍ أوكرانية، أقله شبه جزيرة القرم وإقليمي لوغانسك ودونيتسك. باسم السلام، قرّر ترامب التغاضي عن حقوق طبيعية للشعبين الفلسطيني والأوكراني، من أجل أقوياء هذا العصر، ولو كانوا على خطاً، مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. الأهم في تلك المعادلة أن في قرارات ترامب تفسخاً للمحاور شرقاً وغرباً. على سبيل المثال، كيف يُمكن لإيران، الداعمة لروسيا في حربها على أوكرانيا والمدافعة عن الفلسطينيين في غزّة، القبول بقرارات ترامب، من دون تحمّل ارتدادات ذلك على علاقتها بالروس، بما يتعلق بأوكرانيا، على اعتبار أنها رافضة تهجير الفلسطينيين من غزّة. في المثل، كيف يُمكن للصين المؤيدة استقلال أوكرانيا وفقاً لحدود 1991، رغم حلفها مع الروس، الموافقة على قرارات ترامب في أوكرانيا وغزّة؟ واستطراداً هل سيحفزها ذلك على ضمّ تايوان بالقوة؟

أكثر من ذلك، من سيردع الروس عن تطلّعاتهم في السيطرة على دول البلطيق الثلاث، ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا، والتمدّد باتجاه مولدوفا، وكله باسم “حماية الأقلية الروسية” في تلك البلدان، كما فعلوا في جورجيا في عام 2008 وأوكرانيا؟ من سيمنع إسرائيل، في حال نجح مخطّط تهجير غزّة، في عدم توسيع سياقات التهجير لتطاول الضفة الغربية والداخل وغيرهما؟ ما كرّره وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث بشأن “تحقيق السلام من خلال القوة” في أثناء وجوده في بروكسل في الأيام الماضية، للمشاركة في اجتماعات وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي (ناتو)، لا يُظهر حقيقة قوة النفوذ الأميركي فحسب، بل أيضاً توجه البيت الأبيض إلى اعتماد مقاربة تسمح للأقوياء، ولو ظالمين، في التحكم بالعالم. ربما يُعدّ ذلك نوعاً من مفهوم “تعدّد الأقطاب” في العالم، الذي لطالما نادى به بوتين. وهو أيضاً ما سيسمح لإسرائيل في الشرق الأوسط، والصين في الشرق الأقصى، بالتحرّك أكثر في اتجاه السيطرة على الجوار. أما الأكثر خطورة في ذلك، فقد يكون “تحقيق السلام من خلال القوة” مؤشراً إلى نية أميركية جلية تجاه كندا وغرينلاند وصولاً إلى إيران، بما يتجاوز حروب التعرفات الجمركية.

ومن شأن قرارات ترامب أن تُنهي عملياً ما سعت الأمم المتحدة، رغم كل وهنها، إلى إرسائه بعد الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945). وهو ما سيستجرّ حتماً تأسيس نظام عالمي جديد، ولو لم يكن ضمن إطار مؤسّساتي، إذ يكفي أن يناقض كل الشرائع المتعلقة بحقوق المجتمعات والدول، التي رفعتها الأمم المتحدة طوال العقود الماضية. حتى أن ترامب، الذي يتجاهل ما يطلبه الفلسطينيون والأوكرانيون ويقرّر بدلاً منهم، يتجاهل في ذلك مبدأ “حق تقرير المصير”، الذي رفعه الرئيس الأميركي الـ28 وودرو ويسلون (1913 ـ 1921). تلك الواقعية أو المبدأ العملي، وفق تعبير ترامب وفريقه، ليست كذلك، بقدر ما هي تسليم لمفهوم القوة. والاعتقاد بأن “الاعتراف بالحقائق على الأرض” مسار عمل لعهد ترامب الذي ينتهي في عام 2029، هو أكثر من ذلك، بل “رخصة للقتل” لكل دولة تعتقد نفسها قوية. تخيّلوا مثلاً لو قرّر الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي شنّ هجوم على جارته تشيلي، بحجة النزاع على أراض حدودية متنازع عليها. تُنهي الأرجنتين وجود تشيلي ويعترف العالم بـ”الحقائق على الأرض” وبـ”السلام من خلال القوة”.

إذا كانت الأسابيع الثلاثة الأولى لترامب في الولاية الثانية على هذه الشاكلة، التي تتضمّن تصفية القضية الفلسطينية والحق الأوكراني، فإن مجرد التفكير في المستقبل سيكون أمراً مرعباً لأصحاب الحقوق في الكوكب. يبقى فقط أن يعرض العالم صفقاتٍ على “رجل الصفقات” للنجاة من هذه التحولات. إنها البداية.

التعليقات معطلة.