توماس فريدمان
– الاتحادبعد 6 أسابيع تقريباً على الحرب بين روسيا وأوكرانيا، بدأتُ أتساءل حول ما إن لم يكن هذا النزاع هو أول حرب عالمية حقيقية لنا – أكثر بكثير من الحرب العالمية الأولى أو الحرب العالمية الثانية. ففي هذه الحرب، يستطيع الجميع تقريباً على هذا الكوكب متابعة القتال بتفصيل، أو المشاركة فيه بطريقة ما، أو التأثر به اقتصادياً – بغض النظر عن المكان الذي يعيش فيه.
ورغم أن هذه الحرب لم تنته بعد، وفلاديمير بوتين قد يجد مع ذلك طريقة للانتصار والخروج منها أقوى، إلا أنه إذا لم يفعل فإنها يمكن أن تكون نقطة تحول في الصراع بين الأنظمة الديمقراطية وغير الديمقراطية. وربما يجدر التذكير هنا بأن الحرب العالمية الثانية وضعت حداً للفاشية، والحرب الباردة أنهت الشيوعية الأرثوذوكسية، حتى في الصين. وبالتالي، فإن ما يحدث في شوارع كييف وماريوبول ومنطقة دونباس يمكن أن يؤثر على الأنظمة السياسية خارج أوكرانيا وبعيداً في المستقبل. وبالفعل، فإن زعماء آخرين يراقبون روسيا بحذر. ويرون اقتصادها يضعف جراء العقوبات الغربية.
إن الجميع يراقب ما يجري. خلال الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، لم يكن لدى أي أحد هاتف ذكي أو إمكانية الوصول إلى الشبكات الاجتماعية التي يمكن من خلالها متابعة الحرب والمشاركة فيها بطرق غير حركية. فجزء كبير من سكان العالم كان لا يزال مستعمَراً ولم تكن لديه الحرية الكاملة للتعبير عن آراء مستقلة، حتى لو كانت لديه التكنولوجيا.
والكثير من أولئك الذين يعيشون خارج مناطق الحرب كانوا مزارعين فقراء للغاية لديهم زراعات معيشية ولم يتأثروا بالحربين العالميتين كثيراً. ولم تكن هناك الطبقتان الدنيا والمتوسطة العملاقتان الحضريتان والمعولَمتان من عالمنا المترابط اليوم. أما اليوم، فإن أي شخص لديه هاتف ذكي يستطيع رؤية ما يجري في أوكرانيا – مباشرة وبالألوان – والتعبير عن آرائه عالمياً عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وفي عالم ما بعد الاستعمار، باتت الحكومات من كل بلد حول العالم تقريباً تستطيع التصويت لإدانة هذا الطرف أو ذاك في أوكرانيا أو التماس العذر له من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأي شخص يملك هاتفاً ذكياً وبطاقة ائتمان يستطيع مساعدة غرباء في أوكرانيا، من خلال موقع “إير بي آند بي”، فقط عبر حجز ليلة في بيتهم وعدم استخدامها. وفي الأثناء، استطاعت الحكومة الأوكرانية الاستفادة من مصدر تمويل جديد – إذ جمعت ما يعادل أكثر من 70 مليون دولار من العملات الافتراضية من أفراد من حول العالم بعد نداء على وسائل التواصل الاجتماعي من أجل التبرع.
مثل هؤلاء اللاعبين والمنصات العالمية غير الحكومية والقوية جداً لم تكن موجودة في الحرب العالمية الأولى أو الحرب العالمية الثانية. ولكن مثلما أن الكثير من الناس يمكنهم التأثير على هذه الحرب، فإن الكثيرين أيضاً يمكن أن يتأثّروا بها. فروسيا وأوكرانيا تُعتبران موردين رئيسيين للقمح والأسمدة ضمن سلاسل الإمداد الزراعية العالمية التي تطعم العالم اليوم والتي تسببت لها هذه الحرب في اضطرابات.
وهكذا، أدت حرب بين بلدين في أوروبا إلى ارتفاع أسعار الطعام بالنسبة للمصريين والبرازيليين والهنود والأفارقة. ولأن روسيا تُعد واحداً من أكبر المصدِّرين العالميين للغاز الطبيعي والنفط ووقود الديزل الذي يستخدمه المزارعون في جراراتهم، فإن العقوبات على البنية التحتية للطاقة الروسية أخذت تكبح صادراتها، ما تسبب في ارتفاع أسعار الجازولين في محطات الوقود من مينيابوليس إلى مكسيكو إلى مومباي، وأرغم المزارعين في بلدان بعيدة مثل الأرجنتين إلى الاقتصاد في استخدام جراراتها التي تشتغل بالديزل أو تقليص استخدام الأسمدة المعتمد على الوقود الأحفوري، ما يعرّض صادرات الأرجنتين الزراعية للخطر ويفاقم ارتفاع أسعار الطعام العالمية.
والأكيد أن ديمقراطية أوكرانيا ضعيفة، وأن البلاد لديها مشاكلها العويصة الخاصة بها مع الأولغارشيين. غير أن طموح كييف القوي لم يكن الانضمام إلى حلف الناتو وإنما الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وكانت شرعت في تطهير نفسها لتحقيق ذلك بالضبط. وهذا هو ما أطلق شرارة هذه الحرب حقاً..