أوهام “الكاوبوي” الدونكيشوتية

3

تبدأ الرواية بالقول إن رجلاً شريفاً كبيراً في السن، مفتوناً بالرومانسية الشهم

المصدر: النهار

سعد نسيب عطاالله

 

تبدأ الرواية بالقول إن رجلاً شريفاً كبيراً في السن، مفتوناً بالرومانسية الشهمة، يدعى ألونسو كويكسانو Alonso Quixano، سمي عند العمادة دونكيشوت Don Quixote، انطلق من بلدته لا مونشا La Muncha، بحثاً عن المغامرة، يرافقه فلاح ملاك من بلدته يدعى سانشو بانزا Sancho Panda، واعداً إياه بجزيرة يحكمها بعد إتمامه رحلة المغامرة.

يتعثر الإثنان بسلسلة من المغامرات الطريفة المضحكة، حيث يتصور دونكيشوت العالم العادي للريف الإسباني أنه أكثر تشويقاً وخطورة، فيهاجم دونكيشوت صفاً من طواحين الهواء المائلة، مصدقاً ومعتبراً أنها الفرسان العملاقة.
يتهرب دونكيشوت من محاولات أصدقائه وأبناء بلدته لإعادته إلى منزله، في حين أنه كان يبرهن لنفسه، بالرغم من جنونه الواضح، أنه إنسان خير، ويكسب تقدير رفيقه سانشو.
يلقي دونكيشوت أخيراً، وبعد عدة محاولات من تعرضه للإذلال، جميع أوهامه جانباً، ويعود إلى منزله، ويغادر الدنيا لاحقاً.
استعملت العبارة المشهورة “مائل على طواحين الهواء” للدلالة على مهاجمة الأعداء الوهميين.
لأ أظن أن هناك دلالة دامغة شبيهة على ما تقوم عليه تصريحات سياسة الرئيس الأميركي الحالي، دونالد ترامب، سوى رواية دونكيشوت الإسباني! حين يختلق أعداء وهميين له حول العالم، بدءاً من تبديل تسمية خليج المكسيك إلى خليج أميركا، إلى فرض الرسوم الخيالية على التجارة العالمية، إلى إعلان قطاع غزة عقاراً للبيع والشراء، وتهجير سكانه الفلسطينيين الأصليين، وإعادة بنائه موقعاً سياحياً إباحياً عالمياً، بالإضافة إلى تهجير سكان الضفة الغربية أيضاً إلى البلدان المجاورة، وإلى بلدان أخرى بعيدة!
أتخيل دونالد ترامب صعلوكاً، يحمل سيفاً صدئاً، ويمتطي صهوة جواد مخدر، يختال فيه، في خضم جموع من القوم الضعفاء، لا حيلة لهم ولا ملاذ آمن، سوى الخضوع لرفسات الجواد القاتلة، وتحسس نحورهم من كدمات السيف الضاربة السامة!
نعم أميركا دولة عظمى وجبارة في قدرتها التدميرية للكوكب الذي نتواجد عليه، لكن هل يصح أن ترضخ الشعوب لغطرسة دونكيشوت معاصر يسعى إلى محو التاريخ، والحضارات، والكيانات القائمة، من أجل لوثة أوهام تجعله يتصور أنها الحقيقة المطلقة، وهي حكماً وحتماً، باطلة وساقطة؟
لقد تاه العقل البشري في دهاليز الذكاء الاصطناعي المدمر للبشرية البريئة، ويتيه معه بعض قادة هذا الزمان الغريب والغامض المعاصر.
أما حان زمان صحوة العقل الأميركي العاقل من هذه الغيبوبة الخطيرة والمدمرة، لإعادة تصويب بوصلة قبطان-دونكيشوت- هذا المركب التاريخي المتهور والأهوج، الذي اسمه دونالد ترامب؟!
لا يمكنك أيها الكاوبوي الدونكيشوتي أن تعيد عقارب الساعة قروناً إلى الوراء، وتسعى أن تتراجع وتعود مراكب كريستوفر كولومبوس إلى عالم البؤس والصراعات القديمة، من حيث انطلقت، بحثاً عن الأمن والأمان والأمل، في عالم جديد، بعد دخولك الثاني المفاجئ إلى البيت الأبيض، يا دونالد!

التعليقات معطلة.