أين كانت هذه «الأجهزة» عن الفساد؟

1

عقل العقل

في تغريدة لمواطن عن قضية 1.2 مليون تأشيرة مخصصة لست شركات في الماضي، تفاعل المتحدث باسم وزارة العمل والتنمية الاجتماعية وأوضح أن القضية تمت إحالتها رسمياً إلى هيئة مكافحة الفساد، إلا أنه لم يوضح متى كانت هذه الإحالة! وفي خبر آخر نشر أخيراً أن وزارة العدل ألغت صكوك أراضٍ غير نظامية بلغت مساحتها 568 مليون م2 في مختلف مناطق المملكة.
مثل هذا التعاطي مع قضايا الفساد يبشر بالخير، لكنه يعطي دلالات مخيفة عن حجم الفساد وانتشاره في بعض الجهات الرسمية، وكلنا يعرف أن هذا التسابق على ضرب الفساد من الأجهزة الحكومية لم يكن لولا تحرك القيادة العليا ضده وبشكل شفاف وواضح، ومن حقنا أن نسأل أين كانت هذه المؤسسات الرسمية عن ملاحقة الفساد في أروقتها في الماضي؟ ومن المسؤولين الرسميين الذين سهلوا واستفادوا من ممارسة الفساد داخلها وسكتوا؟
فأراضٍ بملايين الأمتار تم الاعتداء عليها واستخراج صكوك لها لآخرين ليست بالمسألة الصغيرة التي لا يمكن كشف التلاعب والفساد فيها! وكما أشار الخبر أنه تم استعادتها لأملاك الدولة، وهذا يعني أنه كان يمكن الاستفادة منها في مشاريع حكومية أخرى، بخاصة مشاريع الإسكان الحكومية، ولا نعرف كم كلف الدولة شراء أراضٍ أخرى لإقامة تلك المشاريع. هذا مثال واحد يعطي دلالة كيف أن الفساد عملية معقدة ومترابطة ومكلفة للوطن، وكم تساهل بعض المسؤولين الرسميين في التعاطي معها، وأتمنى أن يحاسب كل من اشترك فيها مهما كبر أو صغر حجمه، وأن يعطوا إجابات مقنعة لماذا سكتوا في الماضي عن هذه الممارسات الفاسدة في أجهزتهم الرسمية.
والحال ينطبق على ما غرد به المواطن الغيور عن 1.2 مليون تأشيرة استقدام مخصصة لست شركات، وأنا على قناعة أن هناك ممارسة مستشرية في سوق الاستقدام، وكلنا يتذكر أنها كانت سوقاً تجارية رابحة للبعض في الماضي، إذ إن من لديهم «واسطة» يستخرجون مئات التأشيرات بطرق غير نظامية ومن ثم يبيعونها بأسعار مضاعفة لآخرين في السوق، ولا شك أن هذا دليل على أن من يحصل عليها في حين يمنع آخرون من هذا الحق لهم امتدادات قوية في تلك الأجهزة الرسمية، وحبذا لو توضح وزارة العمل عن المهن المشمولة بتلك التأشيرات حتى نعرف إن كان ليس هناك نقص في المواطنين في شغلها أم أن استقدام تلك القوى العاملة أسهمت في البطالة في مجتمعنا وفي استنزاف اقتصادنا الوطني جراء التحويلات للخارج، والتي كنا نقرأ عن أنها تصل إلى أكثر من 100 بليون ريال سنوياً أو أكثر.
لا نريد من مجلس الشورى أن يكتفي بحثّ الأجهزة الرسمية على الإبلاغ عن شبهات الفساد فيها، لأننا شبعنا من هذه الأسطوانة، كما أن هذا توجه غير فعال في محاربة الفساد، وكلنا على معرفة أن هذه الأجهزة ستصمت صمتاً رهيباً! وكم سمعنا ما تعرض له بعض موظفي الإدارات الحكومية من مضايقات، بخاصة صغار الموظفين عندما بلغوا عن شبهات فساد في إداراتهم، بل إن البعض منهم تعرض للفصل من عمله جراء ذلك.
مع هذا التوجه الرسمي من قيادتنا العليا ضد الفساد، الذي لم يتخيل كثير منا أن يحدث في حياتهم، لا نريد ذر الرماد في العيون على ممارسات الفساد في السابق، حتى نؤسس لثقافة محاربة للفساد قائمة على الأنظمة التي لا تستثني أحداً في المستقبل، بخاصة أننا مقبلون على مرحلة اقتصادية واستثمارية، سواء للقطاع الخاص المحلي أم للشركات الأجنبية التي لن تركن لضخ أموالها في بيئة تساعد على الفساد، ولا سيما في القطاع الرسمي، ومن المهم العمل على تأسيس مؤسسات مجتمع مدني يكون الغرض منها هو الكشف عن الفساد ونشر ثقافة مكافحته، وهي مؤسسات فاعلة في المجتمعات المتقدمة.

التعليقات معطلة.