أين كنا وأين أصبحنا؟

4

د. سعاد كريم

في مستهلّ كلّ صيف وبداية كل موسم سياحي بتنا نشهد حرباً في لبنان من قِبَل العدو الإسرائيلي، بغضّ النظر عن أسبابها، والذي يقصف القرى والمدن على قاطنيها من أطفال وكبار غير آبهٍ بأهل لبنان وشعبه، ويدّعي ويتذرّع بألف حجّة وحجّة ليبرّر عدوانه. ففي يوم عرفة، وقفة عيد الأضحى، وفي موسم صيفي واعد، فاجأتنا إسرائيل بتهديداتها ومن ثمّ قصفها مباني عدة وهدم أخرى وتدمير بنى تحتية في منطقة الضاحية الجنوبية.

السياحة هي أحد مصادر الدخل في خزينة الدولة، وتُعتبر من القطاعات الأكثر ديناميكيّة في الاقتصاد العالمي وأحد أسرع القطاعات نموّاً وتساهم في جذب الاستثمارات الأجنبية وتحفيز الأنشطة الاقتصادية المتعددة والمختلفة. ووفقاً لتقديرات منظمة السياحة العالمية، فإن السياحة تساهم بنحو 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. فأهمية السياحة تكمن في إسهامها في تنمية البلاد، وذلك من خلال توفير فرص العمل، وإنشاء المعالم السياحية والمقاهي والمطاعم والأماكن الترفيهية وتحسين الخدمات المجتمعية وتنويع الاقتصاد والتنوّع الثقافي.

بعد سنوات من الركود الحادّ الذي ألقى بظلاله على القطاع السياحي، أخذ لبنان يستعدّ لانطلاقة جديدة مع عهد جديد مفعمٍ بالآمال ويبشِّر بموسم سياحي واعد يعيد النشاط والحياة والازدهار إلى هذا الشريان الاقتصادي الحيوي، بعد أن تعرّض هذا البلد لأزمة اقتصادية ومالية هي الأكثر إيلاماً وتأثيراً في تاريخه الحديث منذ أكتوبر(تشرين الأول) 2019، بعد أن تفاقم الوضع بفعل التداعيات الاقتصادية التي تزامنت مع جائحة كورونا التي قضت على القطاع السياحي في العالم لأعوام عدة وتأثر بها القطاع السياحي اللبناني فانخفض حجم الإيرادات السياحية إلى نحو 3.16 مليار دولار أميركي في عام 2021، وهو أقلّ من نصف ما كان عليه في عام 2011، أضف إلى ذلك الانفجار الهائل الذي حدث في مرفأ بيروت أغسطس (آب) 2020، ما أدّى إلى انكماش كبير للناتج المحلي الإجمالي وتدهور في مستويات المعيشة. ويعود سبب تفاقم الأزمة إلى عوامل عديدة، من أهمّها انهيار القطاع المصرفي وتراجع قيمة الليرة اللبنانية وارتفاع معدّلات الفقر والبطالة والتضخّم وتأثيرات الصراعات الإقليمية.

قبل عام 2011 شكّل القطاع السياحي في لبنان مصدراً أساسياً للدخل في لبنان، حيث أنفق السيّاح في تلك السنة نحو 8.78 مليار دولار، أي ما يمثل 22 في المائة من الناتج المحلي. ولم تكن دول الخليج هي أكثر السيّاح عدداً، لكنها كانت أكثر الدول إنفاقاً على السياحة من قِبَل مواطنيها، وقد بلغت نسبة إنفاق السيّاح السعوديين والكويتيين في لبنان 33 في المائة في تلك السنة، بحسب تقرير هيئة تشجيع الاستثمار في لبنان (IDAL).

وبعد عام 2011، أدّت أسباب متعدّدة إلى وضع أمني شكّل خطراً على السياحة في لبنان، كما أدّت التجاذبات السياسية مع اشتداد الصراع الإقليمي إلى زيادة حدّة المخاطر، ما جعل دول الخليج تتّخذ على إثرها موقفاً يمنع قدوم السيّاح الخليجيين إلى لبنان. لكن بالرغم من ذلك، فإن المغتربين اللبنانيين الوافدين إلى لبنان خلال الأعياد، شكّلوا النسبة الأعلى من السيّاح، وبلغت 26 في المائة في عام 2017. أما في عام 2018 فمثّلت السياحة حوالي 19 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، إلا أن التراجع لم يكن كبيراً مقارنة بحجم الأحداث التي شهدها لبنان منذ عام 2011 خلال الحرب السورية والأزمات السياسية الداخلية حتى عام 2019.

لا تزال السياحة تشكّل دعامة للاقتصاد الوطني اللبناني، فهي لطالما كانت العمود الفقري والحجر الأساس وساهمت بنسبة تقارب 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، لكن هذه النسبة تراجعت بشكل كبير بسبب التوترات الأمنية التي شهدتها المنطقة في صيف 2024، فكان للحرب على غزة والتصعيد على الحدود اللبنانية الجنوبية مع إسرائيل الأثر الكبير والمباشر على القطاع السياحي، ونتجت خسائر اقتصادية هائلة بعد أن تراجعت إيراداته بشكل كارثي مسجّلاً نحو ملياري دولار.

والسؤال هنا: هل الاعتماد على القطاع السياحي مع إبقائه عُرضة لعدم الاستقرار والصدمات الخارجية والداخلية سواء كانت سياسية أو أمنية أو مالية أو غيرها ما قد يؤدّي إلى انهيار هذا القطاع مجدّداً، هو قرار صائب؟

إنّ لبنان بحاجة إلى استراتيجية اقتصادية جديدة تقوم على تنويع الاقتصاد وتحفيز الإنتاج المحلي ودعم قطاعات تؤمّن استقراراً اقتصادياً طويل الأمد، كذلك الاعتماد على القطاعات المنتجة كالقطاع الصناعي والقطاع الزراعي اللذين لم ينالا الفرص الكافية للتطوّر والنمو، فالصناعة لم تمثّل سوى 14 في المائة من الناتج المحلي والزراعة 4 في المائة بحسب إحصاءات البنك الدولي، فالاعتماد على الإنتاج الحقيقي يجعل الاقتصاد قوياً ومتيناً لا يتأثر بأي عوامل خارجية بشكل كبير.

والآن الحرب الجارية بين إيران وإسرائيل هي حرب وجودية وخطيرة جداً. نأمل ألا تطول أو تتطوّر إلى حرب عالمية تتأثر بها معظم دول العالم ومن ضمنها لبنان وقطاعه السياحي.

التعليقات معطلة.