مقالات

إثيوبيا ما بعد استقالة ديسالين: مشكلات اثنية.. وسد النهضة ابرز التحديات

 
محمد مصطفى جامع
بعد ظهر الخميس الماضي بثَّت وكالات الأنباء وأجهزة الإعلام، خبراً مفاجئاً عن استقالة رئيس الوزراء الإثيوبي التي تقدم بها في بيانٍ أذاعه التلفزيون الرسمي، وبرّر هايلي ديسالين الاستقالة بأنها تأتي لتقديم حلول نهائية للوضع الراهن في البلاد، مشيراً إلى أنه يريد المشاركة في برامج الإصلاح. وأكد أنه عمل كل ما في وسعه لحل مشاكل إثيوبيا.
تسببّت الخطوة في صدمةٍ واضحة لدى مناصري الرجل ومن يدعمون ائتلاف “الجبهة الديمقراطية الثورية للشعوب الإثيوبية” الحاكم في إثيوبيا، فهم يرون ديسالين امتداداً حقيقيّاً لسلفه ميليس زيناوي الذي يعتبره كثيرون مفجر ثورة التغيير والنهضة التي شهدتها البلاد، فيما يصف آخرون هايلي مريام بالضعيف الذي لم يحسن التعامل مع بعض الملفات بالحنكة والسرعة المطلوبة.
بينما تلقّت المعارضة استقالة ديسالين بحذر، فقد علّق مولاتو جيميتشو نائب الأمين العام لحزب مؤتمر أورومو الاتحادي المعارض بأن إثيوبيا تحتاج نظاما سياسيا جديدا بالكامل، وقال لرويترز “يحتاج الإثيوبيون الآن لحكومة تحترم حقوقهم وليس حكومة تواصل ضربهم وقتلهم”.
من هو هايلي مريام ديسالين؟
ولد هايلي ماريام ديسالين عام 1965م في إقليم “ووليتا” جنوب إثيوبيا، حصل على بكالوريوس الهندسة عام 1988 من جامعة أديس أبابا، ثم عمل لمدة عامين مساعد باحث في معهد تكنولوجيا المياه، قبل أن يصبح عميدا للمعهد كما حصل على درجة الماجستير في القيادة التنظيمية من جامعة باسيفيك أزوسا في كاليفورنيا الأميركية.
وينتمي هايلي ماريام إلى قومية “أمم وشعوب جنوب إثيوبيا”، وهو أول من يتولى رئاسة الحكومة من تلك المنطقة، وأول رئيس وزراء إثيوبي ينتمي للطائفة البروتستانتية.
وفي ما يتعلق بمشواره السياسي، فقد برز نجم هايلي ماريام من أواخر التسعينيات كعضو في “الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية”، قبل أن يصبح نائباً لرئيس إقليم “أمم وشعوب الجنوب والمنطقة الشعبية” (SNNPR).
وبسرعة لافتة، ترقّى ديسالين حيث اختاره الراحل ميليس زيناوي في أكتوبر/ تشرين الأول 2010 ليكون نائبه في رئاسة الحكومة ووزيراً للخارجية في الوقت نفسه. وهو المنصب الذي شغله هايلي لمدة عامين قبل أن يُنتخب خليفةً لزيناوي في 2012.
أسباب الاستقالة
استقالة رئيس الوزراء التي فوجئ بها كثيرون، كانت متوقعة لدى مراقبين إثيوبيين منذ فترة ليست بالقصيرة، ويرى هؤلاء أن الاستقالة متفق عليها من لجنة الحزب ومن الجهاز التنفيذي ذلك لأن الرجل وبرغم سياساته الناجحة في مجال التنمية والاقتصاد ومكافحة الفساد، فإنه لم يأتِ بحلولٍ ناجزة للاضطرابات السياسية ذات الطابع الإثني والتي تفاقمت في العام 2016 بشكل بارز، مؤدية إلى مقتل المئات في إقليمي أوروميا (وسط وشرق) وأمهرا (شمال غرب).
وتتلّخص مشكلة إقليم أورومو ذي الأغلبية المسلمة في اتهام الأهالي للحكومة أنهّا تعتمد تجاههم سياسة القتل والتنكيل والاعتقال العشوائي، والتهجير القسري والاستيطان المنظّم ومحاربة الثقافة الخاصة لقوميتهم، وباعتمادها (الحكومة) سياسة تكرّس انتشار الفقر والتخلّف والجهل ومحاربة التنمية والتطوّر في مناطقها. كما تشتكي هذه القومية من منع السلطات أبناء “الأورومو” من استخدام لغتهم في التعليم، حيث يُشترط لمن يلتحق بالمدارس والجامعات إتقان الأمهرية (اللغة الرسمية بالبلاد) التي يرون أنها “لغة استعمارية”.
في المقابل، تُدافع الحكومة الفيدرالية بأنّها منحت الأقاليم التسعة حكماً ذاتياً، بما فيها إقليم أورومو وإقليم أمهرا اللذين يشهدان هذه الاضطرابات، إلى جانب تمثيل الأقاليم في الحكومة المركزية.
فيما يعتبر آخرون أن رئيس الوزراء ديسالين تقدم باستقالته احتجاجًا على استمرار الاضطرابات وأعمال العنف رغماً عن مواصلة الحكومة نهجها الإصلاحي وتقديمها لتنازلاتٍ كبيرة في التشكيلة الوزارية الأخيرة التي تم إعلانها في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، حيث ذكر في خطاب الاستقالة أنه لم يدخر وسعًا في حلّ الأزمة وحاول معالجتها بشتّى السبل وأنه استقال بحض إرادته ليكون جزءًا من الحل.
وقد أشار الصحفي الإثيوبي أنور إبراهيم في مقال نشره مطلع الشهر الحالي إلى أن “الأوضاع في إثيوبيا جديرة لابد أن تتغير في ظل التوترات والتحديات التي تواجه ائتلاف الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية “الحاكم” في إثيوبيا، وخاصة مع ضعف قيادات الحزب الحاكم، الذي يبدو بداخله بوادر الانقسام الداخلي، وظهور تكاتف حزبي للمعارضة الموجودة في الخارج”.
ونلفت إلى أن “جبهة تحرير تيقراي” تتحمل العبء الأكبر الآن بصفتها المكون الأكثر تأثيرًا في الائتلاف الحاكم وهو السبب الأول لاندلاع الأحداث، فمعظم المعارضين يرون أن إثيوبيا تهيمن عليها إثنية “التيقراي” التي تشكّل حوالي 7% من السكان، في حين تصل نسبة أبناء الأورومو والأمهرا نحو 60%.
لذلك، سيكون على “جبهة تحرير تيقراي” أن تقدم المزيد من التنازلات خلال المراحل القادمة لصالح القوميات الأخرى خصوصًا أوروميا وأمهرا من أجل تصحيح الأوضاع ومجابهة التحديات، وربما تقوم بتصفية الائتلاف القائم وتكوين ائتلاف آخر يضم عدداً من الأحزاب الأخرى التي كانت خارج التشكيلة الحكومية الحالية، أو ربما تنفرد بتحمل مسؤولية الحكم في البلاد. وهو احتمال مستبعد تمامًا في ظل الأوضاع الحالية.
من يخلف ديسالين ؟
عند قراءة المشهد السياسي الإثيوبي يتبين لنا ثلاث شخصيات ربما تكون الأكثر حظوظاً بخلافة هايلي ماريام ديسالين في منصب رئيس الوزراء، وجدير بالذكر أن الرجل سيبقى في منصبه إلى أن يقرر مجلس النواب قبول الاستقالة، ومن ثم يختار خليفة له:
– ديميك ميكونن: يشغل حاليًا منصب نائب رئيس الوزراء، من رموز الائتلاف الحاكم، وهو أقوى المرشحين لخلافة هايلي ماريام.
– ليما مقرسا: حاكم إقليم أوروميا، ويعد ثاني أوفر المرشحين حظاً بتولي حقيبة مجلس الوزراء، إذ يُحظى بقبولٍ واسع وسط جيل الشباب الذين يرونه صاحب شخصية قوية وحازم سياسياً.
_ ورقنيه قبيو: وزير الخارجية الحالي، دبلوماسي محنك من جيل الشباب، تولّى حقيبة الخارجية خلفا لتيدروس أدهانوم في 2016.
وقد تلجأ الأحزاب الـ4 الأساسية في الائتلاف الحاكم إلى انتخاب رئيس جديد للائتلاف من خارج الترشيحات أعلاه ليشغل منصب رئيس الوزراء في الوقت ذاته.
مستقبل إثيوبيا بعد ديسالين
من الواضح أن هايلي ماريام زاهد في الاستمرار بمنصبه، واستقالته تعد موقفاً إيجابياً قلما يحدث في قارة أفريقيا التي كان الرؤساء يتمسكون فيها بالحكم حتى آخر لحظة. وإلى جانب ذلك، نجح الرجل في قيادة البلاد بحنكةٍ واقتدار، حيث تمكّنت الحكومة في عهده من إنجاز مشاريع ضخمة في البنية التحتية، وتميّزت فترة حكمه بجذب استثمارات هائلة في مختلف القطاعات وأبرزها الزراعة والصناعة والسياحة، كما شهدت إثيوبيا في عهد ديسالين ارتفاع الناتج المحلى وتربُّع البلاد على قائمة أسرع اقتصادات العالم نمواً، إلى جانب نجاحه في توفير التمويل اللازم لسد النهضة الذي بدأه الراحل ميلس زيناوي.
ولكن يخشى العديد من المراقبين من عودة إثيوبيا إلى مربع الحرب والاقتتال بعد فترة من الاستقرار النسبي والنمو الاقتصادي، فالائتلاف الحاكم يواجه الآن خيارات صعبة.. إما أن يختار طريق التشدد والمواجهة، أو أن يسلك طريق التفاوض والحوار مع الأحزاب الأخرى والمعارضين وهو الاحتمال الأبرز في تقديرنا الشخصي لأن الائتلاف لن يغامر بتحويل البلاد إلى حمام دماء وحرب أهلية تقضي على الأخضر واليابس.
يؤكد صحة ذلك قيام التحالف الحاكم بالإفراج عن آلاف المعتقلين السياسيين على دفعات خلال الأيام الماضية بينهم زعيم حزب مؤتمر الأورومو الفيدرالي المعارض ميريدا غودينا.
وقد تكون حالة الطوارئ التي تم إقرارها بعد اجتماع لمجلس الوزراء يوم الجمعة الماضي لمدة 6 أشهر محاولة لضبط الأوضاع الأمنية وحماية الاستثمارات الخارجية حتى لا تتأثر صورة البلاد ومكانتها في هذا المجال، حيث يمنح الدستور الإثيوبي في ظل إعلان حالة الطوارئ صلاحيات استثنائية للجيش والأجهزة الأمنية لاتخاذ التدابير المناسبة.
وقد كشف وزير الدفاع الإثيوبي سراج فقيسا السبت أن حالة الطوارئ ستستمر لستة أشهر، وذلك بعد يومين من استقالة رئيس الوزراء هايلي مريام ديسالين كما رفض الوزير مبدأ تشكيل حكومة انتقالية جديدة.
كذلك، لا نتوقع تغيُّراً كبيراً في السياسة الخارجية التي تنتهجها إثيوبيا والتي تقوم على الانفتاح والدبلوماسية الهادئة ولا تورط نفسها في صراعات خارجية، فالحزب الحاكم لديه تجربة طويلة يستند فيها على إرث زعيمه التاريخي ميلس زيناوي في مجال إدارة الدولة والسياسة الخارجية والالتزام بالاتفاقيات والمعاهدات.
وعلى صعيد سد النهضة، لا يتوقع أن يتأثر سير الانشاءات بصورة مباشرة ما لم تتفاقم التطورات فهو يعتبر مشروعاً قومياً لا خلاف حوله في الداخل الإثيوبي، ولكن ربما تتأخر الاجتماعات الخاصة بجولات التفاوض بين الدول الثلاث إثيوبيا والسودان ومصر إذا لم يحدث انتقال سلس في السلطة بأديس أبابا.
الأيام القادمة كفيلة بأن تكشف مستقبل إثيوبيا – الدولة المحورية في أفريقيا- وهل ستتمكن من تجاوز المشكلات الإثنية للأبد وتنطلق لتكون مارد القارة السمراء العملاق، أم تنجرف إلى محيط الصراع والحروب الأهلية وينهدم كل ما بناه هايلي مريام ديسالين وسلفه ميليس زيناوي.

admin