إسرائيل: انقسام حاد في الدّولة العميقة.. فهل ينجو نتنياهو من المساءلة؟

1

قد تكون صورة ‏‏شخص واحد‏ و‏المكتب البيضاوي‏‏

المصدر: النهار العربي

جاد فيّاض

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ ف ب)

قبل اندلاع حرب غزّة، كانت الصحف العبرية تحذّر من تصاعد خطر وقوع حرب أهلية في إسرائيل، إثر الانقسام السياسي الحاد الذي كان يُسيطر على المشهد العام لسنوات، والذي انعكس حالاً من الشلل الجزئي مدّة تزيد على ثلاث سنوات ونصف سنة قبل “طوفان الأقصى”، وتمثّل في إجراء الانتخابات مرّات عدّة، وتشكيل حكومات عديدة، من دون أن تنجح أي منها في إعادة الاستقرار السياسي إلى الداخل الإسرائيلي.

ثمة عوامل داخلية عديدة تسبّبت في حال من انعدام الاستقرار في إسرائيل، ومن الصراع بين القيادة السياسية ومؤسسات الدولة العميقة كالأجهزة العسكرية والأمنية والقضائية والكيانات الاقتصادية، مروراً بصراع النزعات المتطرفة، ما بين معسكر اليمين الليبرالي ومعسكر اليمين الديني، وصولاً إلى كيفية مقاربة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.

وهناك ملفات خارجية أخرى كان لها وقعها، كمقاربة حالة “حماس” التي تشهد انتشاراً في الضفة الغربية والداخل الإسرائيلي، وما عادت محصورة في قطاع غزّة حتى قبل بدء الحرب الأخيرة، أو تدبّر خطر “حزب الله” الذي طوّر قدراته العسكرية في جنوب لبنان، وبات يُشكل خطراً حقيقياً على إسرائيل، أو مقاربة الملف الإيراني عامةً، وضمناً برنامجها النووي والفصائل المسلحة التي تمولها طهران في سوريا والعراق.

أعادت عملية “طوفان الأقصى” ترتيب الاهتمامات الإسرائيلية، وعاد الملفان العسكري والأمني إلى تصدّر سلّم الأولويات على حساب السياسة الداخلية. لكن هذا الواقع لم يستمر، فعادت الانقسامات العنيفة مع بدء المراحل الأخيرة لعمليات غزّة، والبحث في المستقبل السياسي والأمني للقطاع، وتزخيم مفاوضات تبادل الأسرى بين معسكر يُريد الحرب وآخر يدفع نحو الهدنة.

صراعات عميقة
ليست أزمات الحكم في إسرائيل مستجدة، بل هي موجودة منذ نشأتها. لكنها تأخذ اليوم طابعاً مختلفاً وأشد عنفاً، بسبب التناقضات السياسية والاختلافات الاجتماعية التي تنتج منها محاولات استقطاب حادّة، بحسب ما يقول الباحث صقر أبو فخر، الذي يشير إلى “أن الانقسام اليوم حاصل بين يمين ديني وآخر علماني، فيما يندثر اليسار الإسرائيلي، وليس له تأثير فعلي”.

ويوافق الكاتب السياسي محمد هوّاش على هذه النظرية، ويرى أن اليمين الديني المتمثّل بنتنياهو وإيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش “يريد السيطرة على مؤسسات الدولة العميقة التي يديرها يمينيون ليبراليون”، وهذه المؤسسات تتمثّل في الجيش، الأجهزة الأمنية والاستخبارية، الهيئات القضائية وعلى رأسها المحكمة العليا، مضيفاً أن “اليمين المتطرف حوّل إسرائيل إلى ديكتاتورية تستنسخ نموذج الدول الشرق أوسطية”.

ظهر هذا الصراع إلى العلن قبل فترة قصيرة، حين انتفض وزير الدفاع يوآف غالانت على سياسات نتنياهو، وحاول الدفع في اتجاه هدنة لا يريدها رئيسه، وحين اندلعت مواجهة كلامية بين بن غفير ومدير الشاباك رونين بار. ولا يتوقف الأمر على القادة، بل ينسحب على جنود الجيش الذين أظهر كثير منهم غضباً من سياسات الحكومة، ما يشير إلى صراع بين المؤسسات السياسية من جهة، والمؤسسات العسكرية والأمنية من جهة أخرى.

يرفض الجيش الإسرائيلي سياسات نتنياهو، وبرأيه فإن هذا السلوك العنيف والذي لا يراعي حداً أدنى من حقوق الإنسان أو الحقوق المدنية الفلسطينية يؤدي بإسرائيل إلى عزلة دولية ومحاسبة قضائية، وهذا ما يلفت إليه هوّاش، ويتحدث عنه أبو فخر أيضاً، لكنه يستبعد أن يدفع إلى استقالات في صفوف القادة العسكريين والأمنيين في المدى المنظور بسبب ظروف الحرب.

حتى اليمين الديني
يحتل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي مرتبة متقدمة من مراتب عوامل الانشقاقات الإسرائيلية، وبات مستقبل غزّة مادة جدلية إضافية تفرض نفسها. لا يتفق قادة إسرائيل على “اليوم التالي” للقطاع، وفي هذا السياق، يشير أبو فخر إلى أن اليمين الديني “يريد احتلال غزّة بعيداً عن أي تسوية مع ’حماس‘، وبعض سياسييه يتطرّفون أكثر ويدفعون في اتجاه حرب مع لبنان وإيران، خلافاً لليمين العلماني”.

وفي داخل معسكر اليمين الديني الحاكم انقسامات ظاهرة، وإن كانت محدودة، تتمثّل في إشكالات داخل حزب “الليكود”. يقول هواش إن عدداً من سياسيي “الليكود”، وبينهم غالانت، ينتقدون نتنياهو على منح متطرفين مثل سموتريتش وبن غفير صلاحيات واسعة لجهة التدخل في الشؤون الفلسطينية ومواجهة مؤسسات الدولة العميقة.

في ظل هذه الفوضى، ثمّة أسئلة تُطرح حول مستقبل إسرائيل وتركيبتها الاجتماعية. وهنا، يتفق أبو فخر وهوّاش على أن الاختلافات الاجتماعية تتفاقم، مع صعود اليهود الشرقيين والسفارديم على حساب الأشكناز، وحضور الحريديم اللافت في المجتمع الإسرائيلي. ولا يستبعدان وقوع صدامات بين الإسرائيليين، لكن أبو فخر يستبعد نشوب حرب أهلية.

نتنياهو بين المنزل والسجن
سؤال آخر يُطرح حول مستقبل نتنياهو. فثمّة من يعتقد أنه يطيل أمد الحرب لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية تعفيه من المحاسبة بعد انتهاء الحرب، خصوصاً أن المرجّح أن يتحمّل مسؤوليات كبيرة عما حصل في يوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) وما بعده، فيما يقلّل آخرون من صحّة هذه النظرية، انطلاقاً من كون القرار ليس محصوراً بنتنياهو وحده، بل بيد حكومة الحرب.

يقول أبو فخر إن نتنياهو قادر على المناورة واللجوء إلى تكتيكات سياسية تحفظ له مصالح شخصية في فترات السلم العادية، وليس خلال الحرب، “ففي الحالات الاستثنائية كما هي الحال اليوم، يصبح تأثير العامل الشخصي ضئيلاً مقارنةً بالمصالح الاستراتيجية، ومستبعد أن يقدم نتنياهو على مخاطرات عسكرية لأهداف شخصية، إلى جانب أن الكابنيت العسكري شريك في صنع القرارات”.

لكن هوّاش يرى أن ثمّة عوامل يراهن عليها نتنياهو قد تنقذ مستقبله السياسي، “منها إطالة أمد الحرب لتحقيق مكاسب نوعية في غزة ولبنان، إضافة إلى خسارة الديموقراطيين الانتخابات الأميركية ووصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ومن ثم تحقيق مصالح استراتيجية لإسرائيل كمواجهة إيران وتفكيكها. وبالتالي، ليس من مصلحته انتهاء الحرب”.

وإذ يستشهد هواش بنماذج قادة إسرائيليين تعرضوا للمحاكمة، مثل إسحق رابين ومناحيم بيغن وإيهود أولمرت، فإن نتنياهو معرّض للمحاكمة، فيما يشير أبو فخر إلى أن التحقيقات بعد الحرب “قد تحمّل نتنياهو المسؤولية الأكبر عمّا حصل، والكثير من الرؤوس ستسقط، ومرجّح أن يكون مصيره الخروج من الحياة السياسية إذا ما لم تتبدّل المعطيات وينظّم انتخابات يحصل خلالها على أغلبية ساحقة”.

في المحصلة، الأزمة السياسية عميقة في إسرائيل، والصراع يشتد بين الأجنحة المتعدّدة والمتنوعة الهويات، والتي تختلف بدرجات تطرّفها، ولا أفق لحلول جذرية في ظل بحث مؤجّل حتى الحدّ من الأخطار المحدقة التي تهدّدها، من “حماس” جنوباً و”حزب الله” شمالاً وإيران شرقاً. لكن، لا شك في أن هذه المخاطر تؤدي دوراً بالحد الأدنى في الحفاظ على تماسك الداخل الإسرائيلي.

التعليقات معطلة.